من نحن ؟ | معرض الصور | الاقتراحات | التواصل معنا
Loading ... please Wait
مشاهدة Image
- العقيدة-حكم من قال لا إله إلاّ الله
المكتبة > العقيدة > حكم من قال لا إله إلاّ الله
عدد المشاهدات : 120
تاريخ الاضافة : 2018/11/26
المؤلف : أبي عبد الرحمن الصومالي


محتويات رسالة حكم من قال لا إله إلا الله

الكتاب
Hokm.pdf

الدروس
مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد:
إن من أخطر الأفكار المنحرفة الشائعة في هذا العصر الفكرة القائلة بأن التوحيد ما هو إلا التلفظ بكلمة "لا إله إلا الله". وأن من تلفّظ بها يحكم بإسلامه مطلقاً ولو كان متلبساً بالشرك الأكبر وعابداً مع الله غيره، ومتبعاً لشرائع الطواغيت ومستهزئاً بالدِّين ومحارباً للموحِّدين. وأنصار هذه الفكرة الغريبة على الحسّ الإسلامي لا يقفون عند هذا الحدّ، ولكن يحاولون أن ينسبوها إلى السلف الصالح وإلى إجماع الأمة ويرمون مخالفيهم بالابتداع والضلال.
ويحتجون لفكرتهم تلك بأحاديث نبوية صحيحة أخطئوا في فهمها. فلبسوا على الناس دينهم وأضلُّوهم عن معرفة حقيقته، وتركوا الكثيرين حيارى، قد ملئت أذهانهم بالمتناقضات. ومن أشهر الأحاديث التي يحتجون بها لفكرتهم حديث: {أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله" فمن قالها فقد عصم منِّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه وحسابه على الله}[متفق عليه].
وحديث: {من قال "لا إله إلا الله" دخل الجنة}.
وما في هذا المعنى من الأحاديث فأخذوا الأمر على عمومه من غير نظر إلى الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة الأخرى التي بيّنت أن الأمر ليس على عمومه، وأنه قد توجد حالات كثيرة لا يكون قول "لا إله إلا الله" فيها عاصماً للدم والمال وسبباً لدخول الجنة.
وسأعرض هنا بعض الحقائق الثابتة من كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم التي تعين طالب الحق علي الوصول إلى الحق في هذه المسالة، والخروج من التناقضات النّاشئة من التمسك ببعض النصوص العامة، وفهمها فهماً ناقصاً وتضخيم شأنها على حساب النصوص الأخرى التي تفسِّرها أو تقيّدها. ومن تدبّر هذه الحقائق وفهمها جيداً فستتجلَّى له الحقيقة وسيعرف أنها فكرةٌ ضالةٌ غريبةٌ لا تمت إلي عقيدة السلف بصلة، وأنها أخطر علي الإسلام من فكرة المرجئة(1) القديمة التي ذمَّها السلف الصالح وتبرّؤا منها.
وإليك هذه الحقائق موجزة:
________________________________________
(1) هم الذين أرجأوا العمل من مسمّي الإيمان أي: لم يُدخلوه فيه وقالوا: إنّ الله يقول]إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات[ ففرّق بين الإيمان والعمل. كان الخلاف لفظياً بين السلف وبين أوائلهم إذ كانوا يؤمنون بأن أهل الكبائر يمكن أن يدخلوا النار. ولكن جاء بعدهم غلاة المرجئة وهم: (أ) الكرامية القائلين بأن الإيمان قول اللسان . (ب) الجهمية القائلين بأنه معرفة القلب .

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ

الحقيقة الأولى
إن الله سبحانه قد أمر رسله جميعاً بإبلاغ الناس كلمة "لا إله إلا الله". وهى تتضمن نفياً وإثباتاً. نفي الألوهية والعبادة عن كل ما سوى الله، وإثباتها لله وحده. ومعنى ذلك لا يوجد أحد يملك السلطة والقدرة على النفع والضرّ والرزق والتدبير في أمر الخلق إلا الله، ومن ثم لا يستحقّ أحد أن يُعبد بالخوف والرجاء والتوكل والدعاء أو أن يُعبد بطاعة أوامره واجتناب نواهيه إلاّ الله.
قال الله تعالى:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]
وقال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]
وقال الله تعالى: وَإِلَى عَاْدٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [هود:50]
وقال الله تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [هود:61]
وقال الله تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [هود:84]
ولم تكن غاية مهمة الرسل تبليغ الناس هذه الكلمة ليقولوها وتركهم عند ذلك القول بدون التدخُّل بينهم وبين ما يتّخذون لأنفسهم من الآلهة والمعبودات. وإنما كانوا يستهدفون تعبيد الناس لربهم الذي خلقهم، ورزقهم، واستعمرهم في هذه الأرض والذي له وحده الحقّ في تصريف حياتهم وتوجيهها.
وكان كل رسول يريد من قومه إخلاص العبودية والطاعة لله عند ما كان يطلب منهم أن يقولوا "لا إله إلا الله" أي كان يطلب منهم القول والعمل بما دلَّت عليه كلمة "لا إله إلا الله" وكان كل رسول يخاطب قومه بلسانهم الذي يفهمونه حتى يتم البيان.
وقال الله تعالىوَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [إبراهيم:4]
وقد أخبر الله تعالى أن الرسل مع اختلاف لغاتهم كانوا يبلِّغون الناس حقيقةً واحدةً هي: أُعْبُدُوا اللّهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [هود:50]
أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]
وهذا هو مدلول كلمة التوحيد "لا إله إلا الله". فيتبيَّن من ذلك أن المسلم المستجيب لدعوة الرسل هو كل من قال "لا إله إلا الله" ثم عبد الله وحده وكفر بالآلهة واجتنب الطواغيت. ويتبيَّن كذلك أن من قال الكلمة ثم أصرّ علي عبادة غير الله لا يعتبر مسلماً مستجيباً لدعوة الرسل عليهم السلام. وكل من جمع قول "لا إله إلا الله" مع عبادة غير الله لا يخلو من إحدى حالتين:
الأولى: كونه لا يفهم المراد من الكلمة ولم تبلغه بلغةٍ يفهمها.
الثانية: كونه يفهم المراد ولا يريد الالتزام بمعناها.
وفي كلتا الحالتين لا يكتسب بقول "لا إله إلا الله" صفة الإسلام، لأنه في الحالة الأولى يكون كافراً جاهلاً. وفي الحالة الثانية يكون كافراً معانداً، فيشترط لقولها أن يكون قائلها عالماً بمدلولها، وبما تنفيه أو تثبته، عاملاً بمقتضاها من إخلاص العبادة لله وترك عبادة غيره.
قال الله تعالي: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الله [محمد: 19]
وقال أيضا: إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِاْلحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]
واعتبار قائلها مسلماً في جميع الأحوال، ولو كان عاكفاً على عبادة غير الله قولٌ لم يقل به أحد من العلماء، ولم يرد به نصّ، بل هو من تحريف الكلم عن مواضعه كالذي ذمّ الله اليهود به.
إن من الناطقين بشهادة أن "لا إله إلا الله" من لا يقصد عند نطقه بها معناها ومدلولها الشرعي الذي هو إخلاص العبادة لله والكفر بكل ما يُعبد من دون الله، وذلك أنه لم يفهم معنى كلمة "الإله" وبالتالي لم يفهم معنى "لا إله إلا الله" كالطوائف التي تفسر "الإله" بأنه "الخالق" أو "القادر على الاختراع".
وتظن أن "لا إله" نفيٌ لتعدد الخالق و "إلا الله" إثبات وحدانيته. وتظنّ أن هذا هو التوحيد الذي أرسل الله به الرسل، وفرّق الناس إلى "مسلمين" و"مشركين". هذه الطوائف لم تعرف التوحيد ولم تدخل في الإسلام بقول "لا إله إلا الله" لأن الأعمال والأقوال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فإذا قال الإنسان "لا إله إلا الله" وهو لا ينوي الدخول في الإسلام -الذي هو إخلاص العبادة لله ونبذ الشركاء والطواغيت التي تُعبد من دون الله- لا يكون مسلماً بنطقه لأنه لم يعرف الإسلام ولم ينوِ الدخول فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن الرجل لو أقرّ بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينَزّه عنه وأقرّ بأنه وحده خالق كل شيء، لم يكن موحّداً حتى يشهد أن "لا إله إلا الله" وحده فيقرّ بأنَّ الله وحده هو الإله المستحقّ للعبادة ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له. والإله هو المألوه المعبود الذي يستحقّ العبادة وليس هو "الإله" بمعنى القادر على الاختراع، فإذا فسّر المفسر "الإله" بمعنى القادر على الاختراع واعتقد أن هذا المعنى هو أخصّ وصف "الإله" وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد.لم يعرفوا حقيقة التوحيد، الذي بعث الله به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإن مشركي العرب كانوا مقرِّين بأنَّ الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع هذا مشركين.
قال الله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ  [يوسف:106].
قالت طائفة من السلف تسألهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون لله، وهم مع هذا يعبدون غيره.
قال الله تعالى: قُلْ لِّمَنِ اْلأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُون. قُلْ مَنْ رَّبُّ السماوات السَّبْعِ وَرَبُّ اْلعَرْشِ اْلعَظِيم سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84-89]
فليس كل من أقرّ بأن الله تعالى رب كل شيء وخالقه يكون عابداً له دون ما سواه. داعياً له دون ما سواه. راجياً له، خائفاً منه دون ما سواه. يوالى فيه ويعادى فيه. ويطيع رسله ويأمر بما أمر به، وينهى عما نهي عنه. وعامة المشركين أقرُّوا بأن الله خالق كل شيء وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له أنداداً.
قال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاْ يَعْقِلُونَ. قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَاْلأَرْضِ [الزمر:43].
وقال الله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَالاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّؤُنَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي اْلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18]
وقال الله تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيْكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94]
قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ [البقرة: 165].
ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها ويصوم وينسك لها ويتقرّب إليها. ثم يقول إن هذا ليس بشرك. إنما الشرك إذا اعتقدت أنها المدبّرة لي.فإذا جعلتها سبباً وواسطةً لم أكن مشركاً، ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شركٌ". [فتح المجيد].

* * *

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﻟﻤﻌﻨﻰ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ

الحقيقة الثانية: فهم المشركين لمعنى لا إله إّلا الله
إن الله تعالى قد أخبر في كتابه أن المشركين الذين وُوجهوا بدعوة أن "لا إله إلا الله" كانوا يفهمون المراد منها وأنه ترك الآلهة وعبادة إله واحد.
ولذا أنكروا هذه الدعوة وعدُّوها خروجاً عن دين الآباء والأجداد. ولم يكن أحدهم يَجرؤ على قولها إلا إذا أراد الاستسلام والدخول في الدِّين الجديد.
وإليك الآيات الدالة على فهمهم التام للمقصود من الدعوة وأنه ترك الآلهة المعبودة وعبادة الله وحده بلا شريك.
لما دعا نوح عليه السلام قومه إلى أن"لا إله إلا الله" وقال لهم: أُعْبُدُوْا اللهَ مَاْلَكُمْ مِنْ إِلِهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]
كان جوابهم: لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَسُوَاعاً وَلاَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نوح: 23]
ولما دعا هود عليه السلام قومه إلى أن "لا إله إلا الله"وقال لهم: أُعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [هود:51]
كان جوابهم: يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَاْرِكِيْ آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [هود: 53]
أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ أَباَؤُنَا [الأعراف:70]
ولما دعا صالح عليه السلام قومه إلى أن "لا إله إلا الله" وقال لهم:أُعْبُدُوا اللّهَ مَالَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [هود:61]
كان جوابهم: يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِيْنَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [هود: 62]
ولما دعا شعيب عليه السلام قومه إلى أن "لا إله إلا الله" وقال لهم:أُعْبُدُوا اللّهَ مَالَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [هو: 84]
كان جوابهم: أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ [هود: 87]
ولما دعا إبراهيم عليه السلام قومه إلى أن "لا إله إلا الله" وقال لهم: إِنَّنِي بَرَاْءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ. إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف:26-27]
قال له أبوه:أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم: 46]
وقال قومه: حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا أَلِهَتِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [الأنبياء:67]
ولما دعا محمد  قومه إلى أن "لا إله إلا الله"وقال لهم:إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيْءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام: 19]
فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ [هود:14].
كان جوابهم:أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5]
وقد قال الله تعالى عن المشركين عامة وعن جريمتهم التي سيدخلون النار بسببها:
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي اْلعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ.إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِاْلمُجْرِمِينَ. إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارَكُوا أَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات: 33-36].
وكذلك أخبر الله أن المشركين كانوا يعترفون بشركهم ويقرّون بأنّ لهم شركاء وآلهة ويظنون أن الله لا يبغض هذا الشرك الموروث عن الأسلاف، وكانوا يحتجّون على ذلك بمشيئة الله القدرية.
قال الله تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ اَّلذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الأنعام:148]
وقال الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُوْنِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلاَ آباَؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:35].
وقال الله تعالى:وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِاْلفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاْ تَعْلَمُونَ [الأعراف:28]
وكانت تلبية قبائل نزار قبل مبعث النبي  لبيك اللّهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك.
ولما قال النبي  لعمه أبي طالب وهو في مرض الموت:{قل: "لا إله إلا الله" كلمة أشهد لك بها عند الله} قال له أبو جهل وصاحبه: أترغب عن ملّة عبد المطلب، فأبى أبو طالب أن يقول "لا إله إلا الله" ومات على ملَّة عبد المطلب.
فهذا يدلّ دلالة واضحةً على أنّهم كانوا على علمٍ بأن قول "لا إله إلا الله" يستلزم مفارقة ملّة عبد المطلب والأسلاف، ولذلك نفروا من قولها وقالوا كما حكى الله عنهم: أَجَعَلَ اْلآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ.وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادٌ [ص:5-6].
ولما قال النبي  لحصين بن المنذر: {كم إلهاً تعبد؟ قال سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء. قال فمن تعدّ لرغبتك ورهبتك؟ قال الذي في السماء}. [الترمذي/والحاكم].
وإذا قال أحدٌ من هؤلاء المشركين الذين يعرفون معنى الكلمة وما تقتضيه: "لا إله إلا الله" كان من المعروف جيداً أنه يريد الإسلام، وأنه قد ترك الآلهة المعبودة الباطلة ، بعد أن علم بأنها لا تنفع شيئاً ولا تضرّ ولا تستحقّ العبادة.
ولذلك أصبح من شريعة الإسلام وجوب الكفّ عن هذا الصنف من المشركين ولو في حالة الحرب إذا قالوا "لا إله إلا الله" بخلاف غيرهم الذين يقولونها في كفرهم وشركهم.

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺃﺻﻨﺎﻑ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ

الحقيقة الثالثة: أصناف المشركين
إن من الناس من يعبد من دون الله آلهة أخرى يعتقد أنها تملك النفع والضر ويطيع أرباباً متفرقين يشرعون له، ولا يعترف بـ"لا إله إلا الله" كحال المشركين الوثنيين.
ومنهم من يعتقد كاعتقادهم ويشرك بالله كشركهم ولكنه يقول "لا إله إلا الله" كحال الكفار من أهل الكتاب.
ومنهم من يعتقد كهذا الاعتقاد ويشرك بالله كهذا الشرك ولكنه يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله"كحال كثير من المنتسبين إلي الملّة الإسلامية، فلا يصحّ تفريق هذه الأصناف الثلاثة عقلاً ونقلاً في الحكم بأنهم مشركون لا مسلمون. لأن حقيقة ضلالهم واحدة، والنصوص القرآنية في هذا الباب صريحة مطلقة، كقوله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48]
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء:116]
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31]
إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72]
وقد وصف الله اليهود والنصارى بالشرك والخروج من دينه القويم. ولم يكن لادّعائهم بأنهم أتباع موسى وعيسى وزنٌ عند الله،لأنهم كانوا كاذبين في هذا الإدّعاء. فهم قد فارقوا الرسل، لما فارقوا التوحيد الذي جاءت به الرسل جميعاً. وإن ظنُّوا أنهم لا يزالون على شيء من الدِّين.
قال الله تعالى: إتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]
وقال الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ اْلكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَاْلإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ ربِّكُمْ [المائدة:68]
فأولى الناس برسل الله هم المؤمنون الموحِّدون.ولهذا لما ادّعى كلٌّ من اليهود والنصارى والمشركين أنهم أولى الناس بإبراهيم، أنزل الله تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَاْ كَانَ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ .إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ اْلمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 67-68].
وقال  لليهود الذين يدَّعون أنهم أتباع موسى وأولى الناس به {نحن أحقّ بموسى منكم} وقال أيضاً: {أنا أولى الناس بابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبيّ}. [البخاري].
وعدم تفريق الله بين الوثنيين وأهل الكتاب ووصفه جميعاً بالشرك مع أن أهل الكتاب يقولون "لا إله إلا الله" دلّ على أن من يشرك بالله من هذه الأمة التي تدّعى الإسلام يكن مشركاً مثلهم. لأن من إدّعى محمّداً  كاذباً كمن ادّعى موسى أو عيسى كاذباً. ولا ينفع الإدّعاء الكاذب أحداً منهما في الدُّنيا والآخرة بعد الوقوع في الضلال المبين.
والذين يظنُّون أنهم أتباع محمد  وهم موافقون للكفار في الشرك والضلال واهمون مخدوعون، وليسوا من محمد  في شيء. بل هم من أعدائه الذين أمر بالبراءة منهم.
قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ [الأنعام:159].
وقال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام:19].
وليس من خصائصه  -دون الرسل- أن من أقرَّ بنبوته يكن من أتباعه الناجين وإن إرتكب الظلم العظيم، فعبد مع الله غيره. واتّبع كتباً ما أنزل الله بها من سلطان. ولو كان هذا حقاً، وكان ذلك من خصائصه لنفع الذين أقرُّوا بنبوته من غير أن يتبرّؤا مما كانوا عليه من الكفر، كأبي طالب وهرقل وأمثالهم. بل إن اشد أعداء الإسلام كأبي جهل وأمثاله كانوا يعلمون صدقه.
قال الله تعالى: فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُوْنَ [الأنعام:33].

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ_ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ

الحقيقة الرابعة: الأمر الأول الوحيد
قد أخبر الله تعالى في كتابه أنه لم يأمر عباده إلا أمراً واحداً، وبيّن أن هذا الأمر هو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.
قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً(. [النساء:36]
وقال الله تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ( [البينة:5].
وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً( [التوبة:31]
فقد أكّدت هذه الآيات أن إخلاص العبادة لله هو الأمر الأول الوحيد الذي أمر الله عباده في كتابه قبل الأوامر الأخرى الفرعية. ومن لم يحقِّق ويلتزم بهذا الأمر الأول لا يكون مسلماً مؤمناً بالتزامه وعمله بالأوامر الفرعية الكثيرة.
لأنَّ كلّ ما بعد هذا الأمر الأول من الأوامر والنواهي الفرعية مثل: الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وغير ذلك. وكذلك النواهي،كالنهي عن قتل النفس إلا بالحقّ وعن الخمر والميسر والزنا والربا وغير ذلك. فكلّ هذه الأوامر والنواهي الشرعية قائمة على ذلك الأمر الأول، ومنبثقة منه، ولا تكون مقبولةً عند الله إلا به. فإن الإنسان إذا أدّى الواجبات، واجتنب المحرّمات، وانقاد لجميع الأحكام الشرعية، فإن كل ذلك لا ينفعه شيئاً حتى يحقق أولاً ذلك الأمر الأول الوحيد. فيترك الشرك وعبادة غير الله.
قال الله تعالى:(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ اَلخَاسِرِينَ( [الزمر:43]
وقال عزّ وجلّ: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ( [الأنعام: 88]
والأمر بقول"لا إله إلا الله"ليس أمراً فرعياً مثل الأمر بالصلاة والزكاة وغيرها وإنما هو أمر بعبادة الله وحده لا شريك له وصيغة ثانية له ولذلك
قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ( [الأنبياء:25]
وقال أيضا: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ( [النحل:36].
والأحاديث الكثيرة المرويّة عن النبي  مثل الحديث: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: "لا إله إلا الله"}
وحديث: {قولوا "لا إله إلا الله" تفلحوا} .
وما في هذا المعنى من الأحاديث يجب أن يُفهم منها أنها كانت دعوة إلى عبادة الله وحده بلا شريك، واجتناب الطواغيت، يؤديها النبي  ويبلِّغها إلى الناس كما فعل مَن قَبله من الرسل. ولم تكن طلباً من الناس أن يأتوا بالنطق، والتلفظ بكلمة التوحيد بأفواههم، مع استبقائهم للشرك، وعبادة غير الله في واقعهم العملي. ولا يجوز أن يحسب الإنسان من أهل "لا إله إلا الله" حتى يرضي بعبادة الله وحده بلا شريك، ويجتنب عبادة الطواغيت.
والأمر بالإسلام الوارد في القرآن كذلك كقوله تعالى:
(وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ اْلعَالَمِينَ( [الأنعام:71]
وقوله: (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا( [الحج:34]
وقوله: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ( [هود:14]
وقوله تعالى: (فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ( [البقرة: 132].
ليس هذا الأمر أمراً فرعياً كالأمر بالصلاة والزكاة.وإنما هو أمرٌ بعبادة الله وحده لا شريك له، وصيغة ثالثة لهذا الأمر الأول الوحيد. وليس طلباً من الناس أن يقولوا بأفواههم:"أسلمنا" أو"نحن مسلمون"، مع استبقائهم للشرك وعبادة غير الله في واقعهم العملي .
إذا عرفت أن هذه الأوامر الثلاثة التي هي:
(1) الأمر بعبادة الله وحده بلا شريك.
(2) الأمر بقول لا إله إلا الله.
(3) الأمر بالإسلام.
عبارة عن أمر واحد عُرض بصيغ مختلفة تؤدّى إلى غاية واحدة. إذا عرفت ذلك يسهل عليك أن تعرف أن من لم يحقِّق ذلك الأمر الأول الوحيد الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يُعبد من دونه من الآلهة والطواغيت، لا يكون من أهل "لا إله إلا الله"، ولا يكون كذلك من أهل "الإسلام".لأن الأمر بإخلاص العبادة لله هو الأمر بقول "لا إله إلا الله" وهو الأمر بالإسلام. ويسهل عليك أيضاً أن تعرف ضلال من فرق بين هذه الأوامر الثلاثة، وظنّ أن إسلام المرء يتمّ بالنطق بكلمة التوحيد. فإن قال الإنسان: "لا إله إلا الله" فقد أسلم. أما إخلاص العبادة لله، والكفر بالآلهة والطواغيت، فليس في نظره شرطاً يجب أن يصاحب نطقه بكلمة التوحيد. فخالف بذلك ما صرح به القرآن. وجوَّز أن يكون الإنسان مسلماً وهو يعبد مع الله غيره، ويتّبع ما لم يأذن به الله من شرائع الطواغيت.وهذا جهلٌ فاحشٌ، وجمعٌ بين الضدين يدلُّ على سوء فهمهم وبُعدهم عن معرفة حقيقة الإسلام.
فينبغي التنبه على أن الإخلاص، وعدم الشرك شرطٌ لقول "لا إله إلا الله".وإنها لا تنفع قائلها إلا إذا قصد إخلاص العبادة لله والبراءة من الشرك. وأن المشرك مهما قالها لا يُحسب من أهلها، حتى يتوب من الشرك.

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ-ﺍﻟﺤﻨﻴﻒ ﻭﺍﻟﺤﻨﻴﻔﻴﺔ

الحقيقة الخامسة الحنيف والحنيفية
قد ذكر الله تعالى إبراهيم عليه السلام في كتابه كثيراً. ووصفه بأنه كان حنيفاً، وأنه لم يكن من المشركين.
قال الله تعالى:إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ اَلْمُشْرِكين﴾ [النحل:120]
وقال الله تعالى: قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بريءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات وَاْلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ اْلمُشْرِكِينَ [الأنعام:78-79]
ومعنى (الحنيف) هو كما قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية قال:(حنيفاً) أي في حال كوني حنيفاً.أي مائلا عن الشرك إلى التوحيد. ولهذا قال وما أنا من المشركين.
وقال الإمام ابن القيّم (الحنيف) المقبل على الله المعرض عن كل ما سواه.
(والحَنِيفية) هي دين إبراهيم، ومعناها. الإقبال على الله والميل إلى عبادته وحده بلا شريك، والبراءة من الشرك، ومن أهل الشرك. وهذا هو الإسلام الذي أمره الله. ومقتضى الإقرار بـ "لا إله إلا الله".
وقد بعث الله تعالى محمدا  بالحنِيفية ملة إبراهيم عليه السلام فأمره أن يكون حنيفاً وأن لا يكون من المشركين وبيَّن أنها دين الفطرة وأنها أحسن الأديان.
قال الله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وما كان مِنَ اْلمُشْرِكِين [النحل:123]
وقال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيْنًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125]
وقال الله تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. دِيْناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وما كان مِنَ اْلمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ اْلعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وبذلك أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:161-163].
وقال الله تعالى:فَأَقِمْ وَجْهَكَ للِدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ اْلقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُوْنَ.مُنِيـبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ اْلمُشْرِكِينَ [الروم:30-31].
وقال الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِّنْ دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ اْلمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ [يونس:104-105].
وقال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ [الحج:30-31].
فمن هذه الآيات وأمثالها في القرآن، نستخلص عدّة حقائق هامّة، أهمُّها:
(1) أن الحنيفية هي الدِّين الوحيد الذي يرضاه الله لعباده. ومعناها أن يعبد الإنسان الله مخلصاً له الدِّين، وأن يتبرّأ من الشرك ومن أهل الشرك.
(2) أن الحنيفية هي الإسلام وأن الإسلام هو الحنيفية وقد جاء في الحديث: {بُعثت بالحنيفية السمحة} [رواه أحمد].
(3) أن الحنيف هو المسلم وأن المسلم هو الحنيف. فكما لا يجوز أن يُقال لمن أشرك هو "الحنيف"، لا يجوز كذلك أن يُقال "هو مسلم".
قال الإمام ابن تيمـية: "فالقلب إن لم يكن حنيفاً مقبلاً على الله معرضاً عمَّا سواه كان مشركاً"(1)
والغافلون عن هذه الحقائق الكبيرة من مدّعى العلم والفقه في هذا الزمن جاءوا بتفصيل عجيب،لم يسبقوا إليه حيث قالوا. من قال "لا إله إلا الله" بلسانه فهو المسلم. فإن قال "لا إله إلا الله" ثم عبد الله وحده فهو المسلم الحنيف، وإن قال "لا إله إلا الله" ثم أشرك بالله فهو مسلم وإن لم يكن حنيفاً.
ففرّقوا بين الإسلام والحنيفية، كما فرّقوا بين المسلم والحنيف ولم يعلموا أن من أشرك بالله كما لا يكون حنيفاً لا يكون كذلك مسلماً. إذ لا فرق بين الصفتين.
ولم يعلموا كذلك أن الإنسان قد يقول "لا إله إلا الله" بصدق ويقين وإخلاص،وقد لا يقول. وأنّ هناك فرقاً بين قائلها بصدق ويقين وإخلاص، وبين قائلها بشركٍ وشكٍ ونفاقٍ. ولم يعلموا أن قائل "لا إله إلا الله" في كفره وشركه يكون على إحدى حالتين:
الأولى: أن يكون كفره ظاهراً، فيحكم بكفره مع قوله "لا إله إلا الله" وتجرى عليه أحكام أمثاله من الكفار.
الثانية: أن يكون كفره باطناً ويبدى التوحيد والإخلاص والبراءة من الشرك في الظاهر، فيكون حينئذٍ منافقاً في الدرك الأسفل من النار مع قوله "لا إله إلا الله"، ولكنه في الدنيا تجرى عليه أحكام المسلمين لإتيانه بالإسلام الظاهر.
فاليهود مثلاً: كانوا على الحالة الأولى. كانوا يقولون "لا إله إلا الله" ويدَّعون أنهم على ملة موسى وإبراهيم عليهما السلام. فأبطل القرآن زعمهم، بأنهم يشركون بالله وليسوا بحنفاء. وأنهم خالفوا بذلك ملَّة الأنبياء الذين هم كانوا على الحنيفية. وأنهم أصبحوا كفاراً.
قال الله تعالى: وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ [البقرة:135]
وقال الله تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]
وقال الله تعالى:قُلْ يَا أَهْلَ اْلكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّواْ فَقُولُوا اَشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]
فلظهور شركهم وكفرهم، وإصرارهم عليه، اعتبرهم القرآن كفاراً. ولم ينفعهم قولهم "لا إله إلا الله". إذ كان ذلك القول في كفرهم.
وكذلك المرتدون الذين ظهروا في عهد الصحابة، وما بعده. كانوا على الحالة الأولى. فقد كفروا وأشركوا وخرجوا عن الحنيفية، وهم لا يزالون يقولون بأفواههم "لا إله إلا الله". فلم ينفعهم القول، بل حكم عليهم بالكفر. ونفذ فيهم أحكام المرتدين بحزمٍ وصرامةٍ شديدة.
أما المنافقون فقد كانوا على الحالة الثانية،حيث كانوا يُظهرون الإسلام، وموافقة الحنيفية، ويبطنون الكفر، ومعاداة الحقّ وأهله فأُجريت أحكامهم على الظاهر. ونفعهم القول في الدنيا. إذ أصبحوا معصومي الدماء والأموال ولم ينفعهم في الآخرة فكانوا في أسفل دركات النار.
قال الله تعالى: إِنَّ اْلمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ اْلأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [النساء:145]

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ- ﺍﻟﻘﻮﻝُ ﺍﻟﻤﻄﻠُﻮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ

الحقيقة السادسة: القول المطلوب من المشركين
قد بيَّن القرآن أن الإنسان إذا اعتقد أن أحداً من دون الله يملك السلطة والقدرة على النفع أو الضرّ. ثم أخذ يدعوه ويستغيث به في جلب المنافع ودفع المضارّ مما لا يقدر عليه إلا الله أنه قد اتّخذه إلهاً.
قال الله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّؤُنَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي اْلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18].
وقال الله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ اْلكَافِرُونَ [المؤمنون: 107].
وقد جعل الله للإنسان قلباً يؤمن ويعتقد،ولساناً يعبر عما في قلبه من الاعتقادات. فيمكن معرفة عقائد الناس، وما تكنُّه صدورهم عن طريق التعبير والبيان بالألسنة، فمن أشرك بالله واعتقد هذا الاعتقاد الذي تحكى الآيات عنه من الطبيعي أن يتكلَّم بما يعتقده ويراه حقاً.وأن يقول بلسانه ما في قلبه، فيقول مثلاً:
هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ [يونس:18]
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللّهِ زُلْفَى [الزمر:3]
هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [طه:88]
مَنْ فَعَلَ هَذَا بآلهتنا [الأنبياء:62]
وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ [هود:53]
أي أن الإنسان المشرك من الطبيعي أن يشهد ويقول بلسانه أن مع الله آلهة أخرى. والمشركون لما أُمروا بأن يشهدوا أن "لا إله إلا الله"، لم يكن المراد منهم أن يقولوا بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وإنما كان المراد أن يتركوا هذا الاعتقاد الباطل الذي لا يقوم على برهان،وهذه الشهادة التي يشهدونها بألسنتهم في آن واحد.
قال الله تعالى:أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام:19]
فإن وُجد إنسان يقول بلسانه أشهد أن "لا إله إلا الله" وهو يعتقد أن "الوليّ" الفلاني يسمع الدعاء، ويقدر على الإغاثة،وتفريج الكربات، فإنه لم يشهد شهادة الحق بعدُ. لأنه شهد أولاً أن "لا إله إلا الله" ثم شهد بعدها أن مع الله إلهاً آخر. فأبطل بذلك شهادته الأولى وصار من المشركين الذين يشهدون أن مع الله آلهة أخرى.
ولا فرق في الحقيقة، بين أن يسمّى الوليَّ الذي يدعوه ويرجوا خيره ويتّقى شرّه "إلهاً" أم لم يسمّه بهذا اللّفظ، وسمّاه بلفظٍ آخر، مثل "الوليّ" أو "السيد" أو "الشيخ" فالاختلاف في الألفاظ والاصطلاحات لا يغيّر شيئاً عن حقيقة الحكم الذي أعطاه القرآن لمن اعتقد هذا الاعتقاد الكافر، وشهد هذه الشهادة الباطلة.
وقوله صلى الله عليه وسلم :{أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن "لا إله إلا الله"}. معناه: "أُمرت أن أُقاتلهم حتى يشهدوا أن "لا إله إلا الله" ويكفروا بشهادتهم "أن مع الله آلهة أخرى" أي "أقاتلهم حتى يتركوا قولهم:
هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله [يونس:18]
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى [الزمر:3]
وغير ذلك من أقوالهم وشهاداتهم الشركية. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: {أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله"}. معناه: "أُمرت أن أقاتلهم حتى يقولوا"لا إله إلا الله"ويكفروا بقولهم أن مع الله آلهة أخرى. أي أقاتلهم حتى يتركوا قولهم: هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله [يونس:18]
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى [الزمر: 3]
وغير ذلك من أقوالهم الشركية.
وقد كان المشركون يفهمون جيداً لما طُلب منهم أن يقولوا "لا إله إلا الله"،إنه يُراد منهم أن يقولوا هذه الكلمة مع تركهم للقول المخالف لها الذي كانوا يقولونه في جاهليتهم.
فقد ورد في صحيح البخاري أن هرقل، ملك الروم، سأل أبا سفيان وهو على شركه عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا يأمركم؟ فأجابه أبو سفيان قائلا: "يقول: أُعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة". فقد فهِم أبو سفيان من الدعوة إلى شهادة أن "لا إله إلا الله" الموجهة إليهم، أنها تطلب منهم أن يتركوا ما يقول آباؤهم الذين يشهدون أن مع الله آلهة أخرى. فكان أصحّ فهماً من كثيرٍ من مدّعى العلم في هذا الزمن الذين يقولون إن الإسلام هو النطق بكلمة "لا إله إلا الله". وإن كان الناطق مع ذلك يشهد بأن مع الله آلهة أخرى.
وبيّن القرآن كذلك،أن من أطاع غير الله في التحليل والتحريم واتّخذ أوامره شريعةً واجبة الإتّباع، أنه قد اتّخذه إلهاً وشريكاً مع الله.
قال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ [الشورى:21]
وقال الله تعالى: إتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْباَباً مِنْ دُونِ اللهِ وَاْلمَسِيحَ ابن مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون [التوبة:31]
وقال الله تعالى:وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ [آل عمران:64]
وقال الله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121]
ومن الأمور الطبيعية أن يتكلَّم هذا الإنسان الذي اتَّخذ الشركاء واتّبع غير الله في التحليل والتحريم بما يعتقده، وأن يعبر لسانه عما في قلبه وأن يقول مثلا:
هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ [النحل:116]
هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يطعمها إِلاَّ مَنْ نَّشَاءُ [الأنعام:138]
مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ اْلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَّيِّتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ [الأنعام:139]
وهؤلاء المشركون الذين كانوا يتّبعون شرائع لم يأذن بها الله، لما جاءهم الإسلام ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يشهدوا أن "لا إله إلا الله"، لم يكن المراد أن يقولوا بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وإنما كان المراد أن يعبدوا الله في التحليل والتحريم وأن يكفروا بالطاغوت، ويجتنبوا عبادته وطاعته في التحليل والتحريم. وكان المراد كذلك ألاّ يقولوا بألسنتهم هذا حلالٌ أو حرامٌ إلا أن يكون ذلك موافقاً لشريعة الله.
قال الله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِاْلعُرْوَةِ اْلوُثْقَى [البقرة:256]
وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وأنابوا إِلَى اللهِ لَهُمُ اْلبُشْرَى [الزمر:17]
وقال الله تعالى: قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كذَّبُوا بآياتنا وَالَّذِينَ لا يؤمنون بِاَلآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:150]
وقد بيَّنت هذه الآية الأخيرة أن من اتّبع غير الله في التحليل والتحريم المخالف لكتاب الله، يكن مكذِّباً بآيات الله، وكافراً بالآخرة، وجاعلاً لله شريكاً وعديلاً. ومن المعلوم أن المشركين الذين كانت الآية تخاطبهم عند نزولها كانوا يظنُّون أن ما يزاولونه من التحليل والتحريم شريعة الله التي ورثوها عن الآباء والأسلاف.
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:28]
فإذا كانت هذه منْزلتهم عند الله مع ظنِّهم أنهم إنما يتّبعون شريعة الله. فكيف تكون منْزلة المشركين المعاصرين الذين لا يرون الله سبحانه مستحقّاً للتشريع لعباده في هذا العصر. والذين يفضِّلون شرائع الكفرة على شريعة الله؟. لاشكّ أنهم أشدُّ كفراً وشركاً وتكذيباً بآيات الله.
فإن وُجد إنسان يقول بلسانه أشهد أن "لا اله إلا الله" وهو يعتقد أن شريعة غير الله واجبة الإتّباع وأنّها صالحةٌ وعادلةٌ. فإنه لم يكفر بالطاغوت ولم يشهد شهادة الحق بعدُ. لأنَّه شهد أن "لا إله إلا الله" أولاً ثم شهد ثانياً أن مع الله إلهاً آخر. فأبطل شهادته الأولى.
وقوله صلى الله عليه وسلم :{أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن "لا إله إلا الله" أو حتى يقولوا "لا إله إلا الله"}.معناه:"أُمرت أن أقاتلهم حتى يقولوا ويشهدوا أن "لا إله إلاّ الله"، ويكفروا بقولهم وشهادتهم أن مع الله آلهة أخرى" أي: أقاتلهم حتى يتركوا قولهم: هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ [النحل: 116]
هَذَهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَنْ نَّشَاءُ [الأنعام: 138]
ما فِي بُطُونِ هَذِهِ اْلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا [الأنعام:139]. وما أشبه ذلك من الأقوال والشهادات الشركية.
وخلاصة القول هي أن الإنسان إذا شهد أن "لا إله إلا الله" وهو يشهد أن مع الله آلهة أخرى فلا قيمة ولا وزن لشهادته أن "لا إله إلا الله" لسببين:
الأول: إنه شهد شهادتين متناقضتين كلّ واحدة منهما تنقض الأخرى كمن قال : (الخمر حرام ) (والخمر حلال) فيكون قوله ساقطاً.
الثاني: إنه قد تبيَّن أنه يقول بلسانه ما ليس في قلبه، إذ لو كان قوله أشهد أن "لا إله إلا الله" من قلبه ما أبطلها بقوله"أن مع الله آلهة أخرى"
ولا فرق بين من يعبد غير الله، ويسمَّى معبوده "إلهاً " و "ربّاً " وبين من يعبد غير الله ويسمَّى معبوده "ولياً " أو"سيداً" أو" شيخاً" أو"رئيساً" أو "ملكاً". فلا عبرة باختلاف الألفاظ إذا تشابهت القلوب، واتّفقت النيات والأعمال.

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ- ﻣﻌﺎﺩﺍﺓ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻟﻠﻤﻌﺒﻮﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ، وﺍﻟﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻬﺔ ﻛﻔﺮ ﺩﻭﻥ ﻛُﻔﺮ

الحقيقة السابعة:
معادات الرسل للمعبودات من دون الله، والرد على شبهة كفر دون كفر في الحكم بغير ما أنزل الله
ومما يدلُّ على أن النطق بكلمة التوحيد لم يكن الغاية والمراد من وراء الدعوة التي قام بها رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم على توالى الأزمان. وإنما كان تحقيق عبادة الله وحده، والكفر بما يُعبد من دونه في الواقع العملي والحياة المشهودة. مما يدلُّ على ذلك معاداة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم للمعبودات، وسعيهم لإزالة وكسر الأصنام والأوثان عند المقدرة عليها. وقد قصَّ الله قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه وما جرى بينهم في مواضع من القرآن.
فأخبرنا الله تعالى أنَّ إبراهيم عليه السلام قصد إلى الأصنام فكسرها. فأرادوا تحريقه بالنار فأنقذه الله منها. فدلّ ذلك على أن الله كان راضياً عما فعل إبراهيم عليه السلام.
قال الله تعالى: فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ. قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ. فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤلاء يَنْطِقُونَ. قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ. قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ اْلأَخْسَرِينَ [الأنبياء: 58-70]
وكذلك حرَّق موسى عليه السلام عجل السامري.
وقال:وَانْظُرْ إِلَى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا.إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللهُ الَّذِي لاْ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً [طه: 97]
وكان صلى الله عليه وسلم مأموراً بإتّباع ملّة إبراهيم. والإقتداء بهدي مَن سبقه من الرسل.
قال الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]
وقال الله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَاكَانَ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ [النحل:123]
وكان مأموراً بكسر الأوثان. قال صلى الله عليه وسلم لما سأله عمرو بن عبسة بأي شيء أرسلك؟ قال: {أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يُوحّد الله ولا يشرك به شيء} [مسلم].
ولذلك لما افتتح مكة أزال ما كان حول الكعبة من الأصنام. وهو يقرأ:
وَقُلْ جَاءَ اْلحَقُّ وَزَهقَ اْلبَاطِلُ إِنَّ اْلبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]
قُلْ جَاءَ اْلحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ اْلبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [سبأ: 49]
وأرسل رجالاً من أصحابه ليهدموا الأوثان والطواغيت التي كانت خارج مكة. فأرسل خالد بن وليد إلى "العزى"، فهدمها وأزالها. وأرسل سعد بن زيد إلى "مناة" فهدمها. وأرسل عمرو بن العاص إلى "سواع" فهدمه. وهكذا كان رسول صلى الله عليه وسلم يزيل الأوثان من كل بقعةٍ غلب عليها. وقد سأله وفد ثقيف أن يَدَعَ لهم اللاّت لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى أن يدعها شيئاً مسمّىً.
قال الإمام ابن القيم عند ذكره ما في غزوة الطائف من الفقه في كتابه (زاد المعاد): "ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك بعد القدرة على إبطالها يوماً واحداً. فإنها شعائر الكفر.وهى أعظم المنكرات. وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتّخذت أوثاناً يُعبد من دون الله، والأحجار التي تُقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل.لا يجوز إبقاء شئ منها على وجه الأرض مع القدرة. وكثير منها بمنْزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركاً عندها وبها. وبالله المستعان.
ولم يكن أحدٌ من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق أو تحيى أو تميت وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين عند طواغيتهم اليوم. فاتَّبع هؤلاء سنن من كان قبلهم حذو القذة بالقذة وأخذوا مأخذهم شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ.
وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم وصار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة بدعةً، والبدعة سنةً. ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير. وطمست الأعلام، واشتدّت غربة الإسلام وقلَّ العلماء، وغلب السفهاء. وتفاقم الأمر، واشتدّ البأس، وظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس. ولكنه لاتزال طائفة من العصابة المحمّدية بالحقّ قائمين ولأهل الشرك والبدع مجاهدين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين".إ هـ
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بطمس الصور وتسوية القبورالمشرفة سداً للذريعة إلى الشرك.
عن أبى الهياج قال: قال لى عليّ رضي الله عنه {ألا أبعثك على ما بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تدع صورةً إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته} [مسلم].
عن عائشة رضي الله عنها: {أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك شيئاً فيه تصاليب إلاّ نقضه} [البخاري].
وهذا الاهتمام البالغ بإزالة الأوثان والمعبودات من مقتضى التوحيد والإقرار بـ"لا إله إلا الله". ومن استجاب لدعوة الرسل وشهد أن "لا إله إلا الله" فقد رَضِيَ بكسر الأصنام والأوثان التي تُعبد من دون الله.
ومن لم يرضَ بذلك فقد كذب في ادّعائه للتوحيد، لأنَّ الرضي بالكفر كفرٌ، وإن قال بلسانه "لا إله إلا الله". فإذا كان هذا حال من يقول "لا إله إلا الله" إذا لم يرضَ بكسر الأصنام والأوثان، فكيف يكون حال العابد لها والناذر لها والذابح لها والمستغيث بها؟ أليس يكون كاذباً في إدّعائه للتوحيد وقوله "لا إله إلا الله"؟!.
وكذلك كانت دعوة الرسل إلى التوحيد والإسلام، تستهدف إلغاء النظم الجاهلية القائمة، وإزالة الطواغيت البشرية الحاكمة بشرائع لم يأذن بها الله بنفس الدرجة التي كانت تستهدف بها إزالة الأصنام والأوثان.لأنّ هذه كتلك من مقتضى الإقرار بشهادة أن:"لا إله إلا الله"
قال الله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ اْلوُثْقَى لاَنْفِصَامَ لَهَا [البقرة: 256]
وقال الله تعالى:وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ [الأنفال: 39].
وقال الله تعالى: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ اْلكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [التوبة: 12]
وكان أصحاب السلطان دائماً، أول من يتفطَّن لأهداف الدعوة، وأول من يقف في وجهها، ويرصد لتحركات الرسل والمؤمنين في سبيل إعلاء دين الله على الأديان، بما لهم في المجتمع من القوّة والنفوذ والمال.
قال الله تعالى:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ اْلمُجْرِمِينَ [الفرقان:31]
وقال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا [الأنعام:123]
وقال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ:34]
ومن استجاب لدعوة الرسل وشهد أن "لا إله إلا الله" فقد رَضِيَ بإزالة الطواغيت البشرية الحاكمة وإلغاء النظم الجاهلية القائمة ومن لم يرضَ بذلك فقد كذب في ادّعائه للتوحيد، لأنَّ الرضي بالكفر كفر.وإن قال بلسانه "لا إله إلا الله".فإن كان هذا حال من قال "لا إله إلا الله" إذا لم يرضَ بإزالة الطواغيت وإلغاء النظم الجاهلية، فكيف يكون حال الطاغوت الذي يحكم بغير ما أنزل الله ؟!.
أليس يكون كاذباً في ادّعائه للتوحيد،وقوله"لا إله إلا الله"؟، وكيف يكون حال المتحاكم إلى الطاغوت الراضِي بشريعة الطاغوت؟ ألا يكون هو الآخر كاذباً في ادّعائه للتوحيد وقوله "لا إله إلا الله" ؟!.
أما بعد فهناك شبهةٌ يردِّدها أهل التحريف والتلبيس كثيراً، وهي أن الحكم بغير ما أنزل الله ليس كفراً مخرجاً عن الملّة، إنما هو كبيرةٌ من الكبائر. وأن مراد الله في قوله تعالى: وَمَنْ لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ اْلكَافِرُونَ [المائدة:44] إنما هو كفرٌ دون كفرٍ، كما قال ابن عباس: "ليس بالكفر الذي تذهبون إليه".
والجواب عن ذلك هو: أن هناك حالتين مختلفتين كل الاختلاف ويجب التفريق بينهما:
الحالة الأولى: إن الحاكم المسلم الذي يحكم بكتاب الله قد يرتكب إثماً في قضية من القضايا، فيحابى أحداً لقرابته أو لكونه ارتشى منه، أو يرجوا أن تحصل له منفعة دنيوية من جانبه، فيميل عن العدل لذلك. فهو وإن خالف الشريعة وحَكم بغير ما أنزل الله في هذه القضية الجزئية إلا أنه لا يحكم بكفره لسببين:
1- إنه ترك واجباً من غير استحلال، فيكون آثماً كما يمكن أن يقع ذلك مَن غيره من المسلمين.
2- إنه لم يقل إني قد أتيت بشريعةٍ تحلِّل ما حرّم الله ينبغي التحاكم إليها، ولكنه يعتقد أن لا شريعة إلا شريعة الله، وأنه قد أثم في هذه القضية، ومتعرِّضٌ لغضب الله وعذابه إن لم يتب من ذلك.
فمثل هذا الحاكم المسلم يقال إنه وقع في كفرٍ دون كفرٍ كما قال صلى الله عليه وسلم: {لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ}
وقوله صلى الله عليه وسلم: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفرٌ} .
فالكفر في هذين الحديثين يُراد منه الذي لا يخرج عن الملّة. وجميع الكبائر هي من شعب الكفر، ولكنه لا يخرج عن الملّة إلا من استحلّها أو امتنع عن تركها.
ولم يكن يقع من الحكام في زمن ابن عباس إلاّ مثل هذه المخالفات التي هي ذنوب دون الشرك في حكم الشريعة. وقد عاش ابن عباس بعد الخلفاء الراشدين في حكم معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، ومات والعالم الإسلامي منقسمٌ إلى قسمين:
قسم تحت عبد الله بن الزبير، وقسم تحت عبد الملك بن مروان.ولم يكن من هؤلاء الحكام من لا يحكم بشريعة الله كما هو معروف.
وكان من الخوارج من يكفِّر عبد الملك بن مروان، ويزيدبن معاوية وغيرهم لأجل ما وقع في زمانهم من الجور والظلم ما لم يكن في زمن الخلفاء الراشدين. فكان ابن عباس رضي الله عنه يردُّ على أولئك الذين يُكِّفرون بالذنوب.
الحالة الثانية: إن الحاكم إذا رأي أنه من الضروري تغيير حكم واحد من أحكام الله، واستبداله بحكم آخر من وضعه أو من وضع غيره، بحيث لا يعمل إلا بالحكم الذي وضعه، فإنه لاشك في كفره، وخروجه عن الملَّة. لأن الله قال في من استحل الميتة وحدها
وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام: 121]
فإذا كان هذا حكم التابع لتشريع غير الله فكيف يكون حكم المتبوع الذي يحلِّل ما حرَّم الله ويجعل ذلك شريعةً للناس، لاشكّ أنه أشدَّ منه كفراً.
قال الإمام ابن كثير في قوله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوْقِنُونَ [المائدة:50]
"يُنكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شرّ. وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله،كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم.
وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم (جنكيز خان) الذي وضع لهم "الياسق" وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد أقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية، والنصرانية، والملّة الإسلامية وغيرها، وفيها كثيرٌ من الأحكام أخذها من مجّرد نظره وهواه.
فصار في بنيه شرعاً متّبعاً، يُقدِّمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليلٍ ولا كثيرٍ" 1هـ .
والحاكم الذي يستحلُّ الحكم بغير ما أنزل الله هو الطاغوت الذي يتحدّث عنه القرآن ويأمر بالكفر به واجتنابه.
قال ابن جرير الطبري : " والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله، فعُبد من دونه. إما بقهرٍ منه لمن عبده، وإما بطاعةٍ ممن عبده له، إنساناً كان ذلك المعبود أو شيطاناً أو وثناً أو صنماً أو كان ما كان من شيء"(1)الطبري: 3/19.
ومعلوم أن الطواغيت البشرية في هذا العصر لا يغيِّرون حكماً واحداً أو أحكاماً معيّنةً من أحكام شريعة الله. وإنما هم يعتقدون أن التشريع يتطور مع مرور الزمن. ويرون من السفاهة التقيد بأحكام كانت تعمل قبل أربعة عشر قرناً. ومن ثم يحرصون على العمل بما وضعته أوروبا الكافرة من الشرائع التي تخالف شريعة الله في الأصول والفروع.
ولذلك فإن الذي لا يرضي بإزالتها وإلغائها لا يكون إلا كاذباً في ادّعائه للتوحيد، لأنه يُشترط لقول "لا إله إلا الله" أن يكون القائل محبّاً لها راضياً بها وبما دلَّت عليه، وأن يكون كارهاً مُبغضاً للشرك، يسعى لإزالته عند المقدرة.

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ- ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ

الحقيقة الثامنة:
شروط الدخول في الإسلام، وذكر مسألة الكف عن قتل المشركين بإيجاز.
إن الله سبحانه أخبر أن دينه الإسلام وأنه لا يقبل من أحد دينا غيره:
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ اْلإِسْلاَمُ [آل عمران:19]
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اْلإِسْلاَمِ دِيْنًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ اْلخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
وقد شرط الله لمن أراد الدخول في الإسلام شروطا، أولها التوبة من الشرك والكفر.
قال الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5].
وقال الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّيْنِ [التوبة:11].
والمراد من التوبة في الآيتين هو التوبة من الشرك والكفر.
قال الطبري فإن تابوا يقول: "فإن رجعوا عما نهاهم عنه من الشرك بالله، وجحود نبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: "توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" وقال القرطبي: فإن تابوا أي عن الشرك والتزموا أحكام الإسلام. وقال ابن كثير: فإن تبتم أي عما أنتم فيه من الشرك والضلال.
وما قاله أنس رضي الله عنه والمفسرون عن التوبة المطلوبة من المشركين وأنها التوبة من الشرك والكفر هو الحق الصريح. ولم يكن أنس رضي الله عنه وغيره من العلماء يرون أن ما قالوه يعارض الحديث الصحيح. {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله} [متفق عليه].
بل إن أنس رضي الله عنه من الرواة لهذا الحديث، وإنما كانوا يرون أن الحديث يطابق الآية في المعنى والمراد. لأن الإنسان إذا شهد أن "لا إله إلا الله" فقد كفر بشهادته بأن مع الله آلهة أخرى، التي كان يشهدها في كفره. وصار حينئذ متبرئا تائبا من الشرك في ظاهره. فتحققت بذلك التوبة التي أرادها الله من المشركين. ولم يكن في زمان الصحابة والتابعين من ينطق بكلمة الشهادة من أهل الأوثان، ثم يصر على عبادة وثنه القديم كما بينا سابقا. وإنما وجد من يفعل ذلك في الأزمنة المتأخرة عندما ابتعد الناس عن حقيقة الإسلام. واتبعوا سنن اليهود والنصارى الذين أشركوا بالله واتخذوا الأحبار والرهبان أربابا من دون الله وهم يقولون مع ذلك بأفواههم "لا إله إلا الله" تقليداً ووراثة.
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ، عند ما كان يعلِّم الصحابة شروط الدخول في الإسلام، يردد لفظا واحدا متكررا في التعبير عن المعنى المراد. ولكن صحّت عنه ألفاظ مختلفة تؤدى إلى معنى واحد.
فقد صحّ عنه أنه قال: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله} الحديث.
وصحّ عنه أنه قال: {من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عزّ وجلّ} [مسلم].
وصحّ عنه أنه قال: {بني الإسلام على خمس على أن يعبد الله ويكفر بما دونه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان} [متفق عليه].
فمن تأمل الآيتين من سورة التوبة وما قاله علماء السلف في تفسيرهما وتأمل الأحاديث التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظها المختلفة والتي تجيب عن: متى يصبح المشرك مسلما في ظاهره؟؟.
من تأمل ذلك يعلم علم اليقين أن التوبة من الشرك والكفر والبراءة من ذلك في الظاهر شرط للدخول في الإسلام. وأن من جاء بالنطق المجرد وهو مقيم على شركه وعبادته لغير الله لا ينفعه النطق شيئاً. ولا يكتسب به صفة الإسلام. لأنه قد تبين أنه لم يتب من الشرك، ولم يكفر بما يعبد من دون الله.
ويعلم كذلك أن الإنسان قد ينطق بكلمة التوحيد وهو لا يكفر بما يعبد من دون الله. فإذاً لا يصحّ أن يُقال إن كلّ من أتى بالنطق "مسلم" إجمالاً وإن خالف فعله نطقه ولكن يجب التفصيل بأن يقال من شهد أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" تائباً متبرئاً من الشرك في الظاهر صار مسلماً مع بقية الشروط الأخرى من الصلاة والزكاة وغير ذلك. ومن شهد أن "لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" وهو مقيم مصرّ على شركه لم يكن بذلك مسلما، وإن أتى ببقية الشروط الأخرى كالصلاة والزكاة وغير ذلك.
وقال البغوى:" الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا لا يقرّ بالوحدانية فإذا قال: "لا إله إلا الله" حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع أحكام الإسلام ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام.
وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله. وإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة، فلابد أن يقول :" إلى جميع الخلق".
فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده. اهـ (فتح الباري:م 12/ص 279)
وهذا الذي "يحتاج أن يرجع عما اعتقده" هو الذي يقر بالشهادتين ولكنه كفر بجحود واجب أو استباحة محرم. كما قاتل أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة ولم يخالفه في ذلك أحد من الصحابة. فكان إجماعا منذ ذلك الوقت، وكذلك اتّفق الفقهاء بعده. ومن اعتقد عدم وجود كافر يقر بالشهادتين يلزمه أن يقول بتخطئة الصحابة رضوان الله عليهم وأن يدعى أنه قد اهتدى للصواب بعدهم.
وهذا هو الجواب عن متى يصير المشرك مسلما. له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين.
أما مسألة الكف عن قتل المشرك فلها تفصيل نذكره هنا بإيجاز:
1) إن المشرك الوثني الذي ينكر قول "لا إله إلا الله" لاعتقاده بألوهية آلهة أخرى، إذا قال "لا إله إلا الله" ولو في حال الحرب، يجب الكف عنه حتى يختبر لاحتمال حدوث التوبة منه.
كما هو مأخوذ من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا "الحرقات" من جهينة فأدركت رجلا فقال لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أقال لا إله إلا الله وقتلته، قال: قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا.فما زال يكررها على حتى تمنيت أنى أسلمت يومئذ} [مسلم].
وحديث أبي هريرة الذي فيه أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكر"كيف تقاتل الناس وقد قال صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله" فمن قال فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله} [متفق عليه].ففيهما الأمر بالكف عمن قال "لا إله إلا الله" من أهل الأوثان لهذا الاحتمال، لا أنهم قد صاروا بهذا القول المجرد مسلمين.
قال الحافظ ابن حجر في {الفتح} عن حديث أبى هريرة : "وفيه منع قتل من قال "لا إله إلا الله" ولم يزد عليها وهو كذلك، ولكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما؟. الراجح لا، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر. فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام، حكم بإسلامه. وإلى ذلك الإشارة بقوله "إلا بحق الإسلام " ا ﻫ.
2) أما الكافر من أهل الكتاب الذين يقولون "لا إله إلا الله" في كفرهم ولا يقولون "محمدٌ رسول الله" فلا يرفع عنه السيف بقوله "لا إله إلا الله" فقط بل لابد أن يقول محمدٌ رسول الله، ليكف عنه.
قال أبو سليمان الخطابي في قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "معلوم أن المراد بهذا أهل عبادة الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون "لا إله إلا الله" ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف". (شرح مسلم: 1/206)
وقال القاضي عياض: "اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال "لا إله إلا الله"تعبير عن الإجابة إلى الإيمان. وأن المراد بذلك مشركو العرب وأهل الأوثان، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمه بقول "لا إله إلا الله" إذا كان يقولها في كفره" ا هـ. (شرح مسلم: 1/206)
3) وأيضا فمن أهل الكتاب من يقول "لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله" ولكنه يعتقد أنه رسول الله إلى العرب خاصة. فمثل هذا لا يكف عنه بقوله "لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله" حتى يعترف بأنه رسول الله إلى جميع الخلق. كذا قال الإمام الشافعي وغيره من العلماء. وهو موافق للقرآن، لأن الله أمر بقتال أهل الكتاب مع علمه بأنهم يقولون "لا إله إلا الله". ولم يجعل قولهم ذلك مانعا من قتالهم، لأنهم لم يكونوا يدخلون في الإسلام بهذا القول، بل كانوا يقولونها مع اتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله.
قال الله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ اْلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُوْنَ[التوبة: 29]
قال الإمام الشافعيّ في "الأُمّ": والإقرار بالإيمان وجهان:
1) "فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدّعى أنّه دين النُّبوة ولا كتاب، فإذا شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله فقد أقرّ بالإيمان ومتى رجع عنه قُتل.
2) قال: ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدّعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدّلوا منه، وقد أُخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفروا بترك الإيمان به واتّباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله. فقد قيل لي: إنّ فيهم من هو مُقيمٌ على دينه يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ويقول: "لم يبعث إلينا". فإن كان فيهم أحدٌ هكذا فقال أحدٌ منهم: "أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله" لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول: "وأنّ دين محمّدٍ حقٌّ أو فرضٌ وأبرأ مما خالف دين محمّدٍ صلى الله عليه وسلم أو دين الإسلام"، فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان، فإذا رجع عنه أُستُتِيبَ، فإن تاب وإلاّ قُتل.
3) فإن كان منهم طائفةٌ تُعرَف بأن لا تُقرّ بنبوة محمّد صلى الله عليه وسلم إلاّ عند الإسلام، أو تزعم أنّ من أقرّ بنبوته لزمه الإسلام، فشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان. فإن رجعوا عنه اُستُتِيبوا، فإن تابوا وإلاّ قُتلوا". موسوعة الشافعيّ: (المجلّد السابع. ص: 596).
كذلك الطوائف البشرية التي انتسبت إلى الإسلام ونطقت بالشهادتين مع إعلانها ما هو في دين الله كفر وشرك وضلال كأتباع مسيلمة الكذاب وغيره من المتنبئين. ومانعي الزكاة، وأتباع عبد الله بن سبأ، وكثير من فرق الشيعة(1) كالكاملية، والغرابية، والإسماعيلية، وكذلك بني عبيد القداح(2)، والقرامطة(3)، وغيرهم من الفرق الباطنية(4)، وأهل الحلول والاتحاد(5)، وكذلك التتار. فكل هذه الفرق المعروفة في تاريخ الإسلام لم يكن نطقهم بالشهادتين يعتبر إسلاماً، بسبب اعتقاداتهم وأعمالهم المناقضة للشهادتين. وكانوا عند فقهاء الإسلام كفاراً خارجين عن الإسلام. وكان لابدّ لمن أراد منهم الرجوع إلى الإسلام أن يرجع عما اعتقده، ويعلن براءته من الكفر وإلا لم يكن معصوم الدم والمال مهما نطق وأقر بالشهادتين.
ويلحق بهم في الحكم كل الدول القائمة اليوم التي تحكم بغير ما أنزل الله. واختارت العمل بالنظم والقوانين الجاهلية برضاها والتي تعلن عضويتها في المجمع الكفري العالمي المسمى بـ(هيئة الأمم المتحدة)(6) والتزامها بمواثيق وعهود المجمع.
وكل من يدين لهذه الدول بالولاء والطاعة اختياراً من غير إكراه. وكل مؤمن بالأديان الكفرية العصرية كالديمقراطية(7) والاشتراكية(8) التي وضعت لتحلّ محلّ دين الله. وكل من يعتزّ بتقليده وتشبهه بالغربيين في الأخلاق والسلوك. فكل هؤلاء وأمثالهم ليسوا بمسلمين وليس نطقهم بالشهادتين إسلاماً مهما كثر المحرِّفون للدِّين الذين يسمّونهم "مسلمين" جهلاً وضلالاً أو بغياً وعدواناً.
إن المتأمل لأراء المنحرفين الذين أخطأوا في تعريف الإسلام، يرى أنهم وقعوا في أخطاء متلاحقة، يمكن تلخيصها فيما يأتي:
أولا: لم يأخذوا النصوص التي بينت شروط الدخول في الإسلام جملة بل اكتفوا بلفظ من ألفاظ الحديث وهو: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله} وأهملوا الألفاظ الأخرى مثل: {على أن يعبد الله ويكفر بما دونه}، {وكفر بما يعبد من دون الله} وأهملوا كذلك ما دلت عليه الآيتان من سورة التوبة وما قاله العلماء في تفسيرهما.
ثانيا: فهموا من الحديث الذي أخذوه فهما يخالف فهم علماء السلف، حيث ظنوا أن النطق بالشهادتين ينفع الإنسان ويجعله مسلماً، وإن كان متلبسًا بالشرك والكفر. وظنوا أن الشرك والكفر هو أن يرفض الإنسان النطق بالشهادتين كحال مشركي العرب.
ثالثا: وكما أخطأوا في فهم الحديث أخطأوا كذلك في فهم أقوال العلماء فإن وجدوا من يقول إن الإسلام هو شهادة أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" ظنوا أنه يؤيّد فكرتهم ورجعوا مسرورين. ولو أنهم تبيَّنوا وبحثوا عن آراء علماء الإسلام في من يشهد الشهادتين في الشرك والكفر، لعلموا أنهم قد ضلّوا وانحرفوا وأتوا بأفسد مما جاءت به المرجئة القديمة من الآراء الضالة التي لا تخدم إلا أعداء الإسلام.

-----------------------
(1) اسم أُطلق في أول الأمر علي الذين ناصروا عليّاً رضي الله عنه في الحروب التي خاضها، فقيل لهم: "شيعة عليّ" أي "أنصار عليّ"، ثم صار فيما بعد علماً لطائفة مبتدعة تضع عليّاً رضي الله عنه في مرتبة فوق الصحابة أو فوق النبي صلى الله عليه وسلم، علي اختلافٍ بينهم في الآراء والأهواء.
والشيعة على ثلاث طبقات في الغلوّ:
(الأولي) وهي الزيدية وهم أقربهم إلي الاعتدال، لا يسبُّون الصحابة ويترضون عنهم ويرون أنّ عليّاً أفضل الصحابة علي الإطلاق، وأن خلافة أبي بكر وعمر كانت صحيحة، لأنّ إمامة المفضول جائزة مع وجود الفاضل.
(الثانية) وهي التي تعتقد أن الصحابة كفروا لما ظلموا عليّاً وأخفوا الآية التي فيها إمامته بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولها أسماء كثيرة منها:
(1) "السبابة" لسبِّهم أبا بكر وعمر وغيرهم رضي الله عنهم .
(2)"الإمامية" لاعتقادهم أن الإمام لا يختار من بين المسلمين بالشورى ولكنه يُعيَّن من قبل الله بالنصّ.
(3)"الاثني عشرية" لأنهم يعتقدون إمامة اثني عشر رجلاً وهم: (1) عليّ (2) الحسن (3) الحسين (4) عليّ بن الحسين {زين العابدين}. (5) محمد الباقر بن عليّ (6) جعفر الصادق بن محمّد. (7) موسى الكاظم بن جعفر. (8) علي الرضا بن موسى. (9) محمّد الجواد بن عليّ. (10) عليّ الهادي بن محمّد. (11) الحسن العسكري بن عليّ. (12) محمّد المهدي بن الحسن، ويعتقدون أنه المهديّ المنتظر.
(4)"الرافضة" لأنهم رفضوا إمامة "زيد بن عليّ" لما أبى أن يتبرّأ من أبي بكر وعمر فقال: أنتم الرافضة.
(الثالثة) وهي الغالية الذين يؤلّهون عليّاً والأئمة من أهل البيت كالقرامطة وبني عبيد القداح وغيرهم.
 ومنهم الكاملية الذين اعتقدوا كفر الصحابة كلهم ولم يستثنوا عليّاً منهم كما فعلت الرافضة الذين يستثنون منهم عليّاً وعدداً قليلاً لا يتجاوز عدد الأصابع. وقالت الكاملية: "إن عليّاً كفر لأنه أطاع الظالمين" يريدون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .
 ومنهم الغرابية الذين يعتقدون أن الله أرسل إلي عليّ فأخطأ الملك فأوحي إلي محمّد .. ويقولون: "إن عليّاً كان شبيهاً بمحمّد كما يشبه الغراب بالغراب.
ومنهم الإسماعيلية الذين يؤلّهون عليّاً والأئمة من أهل البيت، ويقولون: "إن الإمام بعد "جعفر الصادق" ليس "موسى الكاظم" كما تقول الرافضة وإنما هو ابنه الأكبر "إسماعيل بن جعفر"، وبعده "محمّد بن إسماعيل" الذي نسخت شريعته –كما يقولون- شريعة محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .

(2) كانوا من الإسماعيلية من حيث الاعتقاد وتغلّبوا علي بلاد المغرب وكوَّنوا هناك دولة لهم في سنة 297ﻫـ، ثم توسّعوا وزحفوا إلي المشرق واستولوا مصر في سنة 358ﻫـ واتخذوها مقرّاً لدولتهم وبنوا مدينة القاهرة وجامعة الأزهر، وأحدثوا الشرك والبدع في الديار المصرية غيرها.وقد سقطت دولتهم في سنة 567ﻫـ علي يد صلاح الدِّين الأيوبي رحمه الله تعالى .

(3) هي حركة من حركات "الإسماعيلية" تنسب إلي "حمدان قرمط" من دعاة "الإسماعيلية" من أتباعه: "زكروية" و "أبو سعيد الجبائي" وابنه "سليمان بن ابي سعيد". انتشرت دعوتهم في البحرين وقوي أمرهم واستولوا علي مكة سنة 317ﻫـ وقتلوا الحجاج واقتلعوا "الحجر الأسود". وبقي في يدهم إلي سنة 339ﻫ.

(4) اسم عام يشمل كلّ الفرق التي تعتقد بألوهية البشر كالإسماعيلية وبني عبيد القداح والنصيرية والدروز والقادرية وغيرهم، وسمّوا الباطنية لأنهم يزعمون أنهم يتّبعون باطن القرآن فلا يضرّهم مخالفتهم لظاهره .

(5) طائفة منحرفة ضلّت عن معرفة الله وصفاته ولا يفرّقون بين الخالق والمخلوق، ويقولون عن كل شيء في السماوات والأرض إنه هو الله، ويقولون: "إن أهل الأوثان ما عبدوا إلاّ الله وأن قوم نوح وعاد وثمود وفرعون وآله كانوا علي الهدي المستقيم". وقال أحد شيوخهم: "القرآن كلّه شركٌ"!!.وذلك لأنهم رأوا أنه يفرّق بين الخالق والمخلوق. ويقولون: "إن النصارى كفروا بالتخصيص، لأنهم قالوا:إن الله هو المسيح". فهم أكفر من النصارى. ويقولون: "لا طاعة ولا معصية" من أئمتهم "ابن عربي" صاحب "الفتوحات المكية" و "فصوص الحكم" و "التلمساني" و "ابن سبعين" وغيرهم

(6) هي منظمة دولية تأسّست بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) يزعمون أنّهم أقاموها لوقاية العالم من الحروب المدمرة. تكوَّنت أولاً من إحدى وخمسين دولة وقّعت ميثاقها في (سان فرنسيسكو في سنة 1945م). وميثاق الأمم المتحدة من وضع الكفار الذين لا يؤمنون بالله ورسوله وكتابه، فلذا هو مخالف لما عليه المسلمون. فهو يدعوا إلي المودّة والإخاء بين بني البشر مسلمين وكافرين، والاعتراف بحقوق الإنسان مهما كان دينه، واحترام الحدود الجغرافية الدولية، والدولة إذا انضمت إلي هذه المنظمة ووقّعت ميثاقها فقد اعترفت فعلياً بانسلاخها من كتاب الله الذي يحرّم مودّة الكفار وموالاتهم وطاعتهم ويأمر بجهادهم وعدم اعتراف حدودهم الدولية. ومن أجهزتها:
(أ) "الجمعية العامّة": التي تضم جميع دول المنظمة، ولكلّ دولة لها مقعد فيها ولها اجتماع سنويّ .
(ب) "مجلس الأمن": وهو القيادة الفعلية للمنظمة ويتكوَّن من خمس عشرة دولة. منها خمس دول عضويتها في المجلس دائمة ولها حقّ النقض (الفيتو) vito وهي: أمريكا و روسيا و بريطانيا وفرنسا و الصين. ومعني ذلك أنه إذا اتّفقت الجمعية العامّة علي أمر = = ورأت أنه حقّ وصواب وضروريّ يرفع إلي مجلس الأمن فإذا رضي المجلس بذلك وأبت دولة لها حقّ النقض، فإن هذا الأمر الحقّ الصواب الضروريّ في نظر الجميع يُترك وهذا الترك مشروع لديهم لأنه يوافق قوانين المنظمة التي تشبه قوانين الغابة "الحقّ للأقوى".
(جـ) "محكمة العدل الدولية": وهي القاضي الذي يحكم بين الدول في النّزاعات التي بينها، ولها دستورها الوضعي الذي ينقاد له الجميع.
وهناك مؤسّسات تابعة للمنظمة مثل: (1) منظمة العمل الدولية: u.n.d.p. (2)منظمة الأغدية الدولية: w.f.p(3) منظمة التربية والتعليمunesco: (4) منظمة الصحة الدولية: w.h.o (5) منظمة اللاجئين: u.n.h.c.r(6) منظمة الطفولة: unicef (7) البنك الدولي world bank.

(7) كلمة يونانية معناها: "سلطة الشعب" أو "حكم الشعب" وهي فكرة تدعوا إلي إبطال التكتاتورية وإعطاء الشعب حقه في الاشتراك في السلطة بواسطة النواب. وكان الرومان يعملون بها في أثناء دولتهم. وهي تقوم علي مبادئ مخالفة لكتاب الله. منها :
(الأول) الحكم للشعب: يعارض الحكم لله كما في قوله تعالى: إن الحكم إلاّ لله (يوسف)
(الثاني) اتباع حكم الأغلبية عند الاختلاف: يعارض قوله تعالى: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين (يوسف)
(الثالث) المساواة بين المؤمن والكافر وبين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات: وهذا يعارض قوله تعالى:أفنجعل المسلمين كالمجرمين-القلم- وقوله تعالى: وليس الذكر كالأنثى -آل عمران-
(الرابع) الحرية المطلقة: وهي تعارض العبودية المطلقة التي جاء بها الإسلام كما في قوله تعالى: أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إياه -يوسف- وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم -يس- .

(8) الاشتراكية العلمية أو "الشيوعية": نظرية اقتصادية واجتماعية وضعها "كارل ماركس" بمساعدة صديقه "أنجلز" في كتابه "البيان الشيوعي" وغيره. أراد "ماركس" أن ينقذ البشرية من ظلم "الرأسمالية" فأوقعها فيما هو مثلها أو شرّ منها. من حيث أنه أنكر "الملكية الفردية" وهي من الأمور الفطرية الملازمة لكلّ إنسان. وأنكر وجود الله ودين الله وأنزل الإنسان مرتبة الحيوان وجعل مطالبه: المأكل والمشرب والمسكن والجنس لا غير. واعتبرت الشيوعية الزواج قيوداً غير فطريّة ناشئة من البيئة.
طبّق "لينين" "الاشتراكية العلمية" في روسيا بعد الثورة البلشفية عام (1917م) وبقيت فيها مدّة طويلة اكتسبت خلالها أنصاراً ودولاً سارت بسيرها ولكن في هذه السنوات الأخيرة انهارت الفكرة تقريباً ولم تبق جاذبيتها كما كانت من قبل .

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ ﺍﻟﻤﺮﺗﺪﻳﻦ

الحقيقة التاسعة
ومما يدلّ على أن مجرد كلمة التوحيد لا تنفع قائلها بدون التزام معناها، ما تقرّر في الشريعة من الأمر بقتل المرتدين، حيث قال صلى الله عليه وسلم: {من بّدل دينه فاقتلوه} [البخاري].
ومن المرتدين من يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ولكنهم اعتقدوا الألوهية لغير الله كالذين حرّقهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.ومنهم من يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ولكنه اعتقد نبوة أحدٍ بعد رسول الله قال صلى الله عليه وسلم ، كبني حنيفة الذين اعتقدوا نبوة مسيلمة الكذَّاب. وأصحاب المختار بن أبى عبيد المتنبّئ(1)
ومنهم من يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ولكنهم امتنعوا من فعل الواجبات أو استباحوا المحرَّمات كمانعي الزكاة الذين قاتلهم الصحابة وسبوهم. ومنهم من يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ولكنهم أنكروا صفة من صفات الله أو وصفوا الله بما لا يليق بجلاله،فقُتلوا لكفرهم،كجعد بن درهم(2)، وجهم بن صفوان(3)، والحلاج(4) وأمثالهم.
وكل هذه الأنواع من المرتدين أنزلهم الصحابة والتابعون منْزلة واحدة كمنْزلة من ارتدّ بعد إسلامه إلى الوثنية أو اليهودية أو النصرانية. ونفذوا فيهم جميعاً قوله صلّى الله عليه وسلّم :{من بدَّل دينه فاقتلوه}
قال محمد بن إسماعيل الصنعاني: في (تطهير الاعتقاد) بعد أن بيَّن أن القبوريين الذين يعبدون الأولياء قد سلكوا مسلك المشركين، فإن قلت: لا سواء لأنّ هؤلاء قد قالوا "لا إله إلا الله" وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: {أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله" فإذا قالوها عصموا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها}. قلت: قد قال صلّى الله عليه وسلّم "إلا بحقِّها" وحقُّها إفراد الألوهية والعبودية لله تعالى، والقبوريون لم يفردوا هذه العبادة، فلم تنفعهم كلمة الشهادة، فإنها لا تنفع إلا مع التزام معناها، ولا نفعت اليهود قولها لإنكارهم بعض الأنبياء وكذلك من جعل غير من أرسله الله نبيّاً لم تنفعه كلمة الشهادة.
ألا ترى أن بني حنيفة كانوا يشهدون "أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" ويصلّون، فقاتلهم الصحابة وسبوهم. فكيف بمن يجعل للوليّ خاصة الألوهية ويناديه للمهمّات.
وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب رضي الله عنه حرَّق أصحاب عبد الله بن سبأ(5)
وكانوا يقولون "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ولكنَّهم غلوا في علي رضي الله عنه واعتقدوا فيه ما يعتقده القبوريون وأشباههم فعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحداً من العصاة فإنه حفرلهم الحفائر وأجج لهم ناراً وألقاهم فيها وقال:
إني إذا رأيتُ أمراً منكراً * أججتُ ناري ودعوتُ قنبراً.
فإن قلت قد أنكر صلّى الله عليه وسلّم ، على أُسامة قتله لمن قال "لا إله إلا الله"، كما هو معروف في كتب الحديث والسيرة. قلت: لا شكّ أن من قال "لا إله إلا الله" من الكفار حقن دمه وماله حتى يتبيَّن منه ما يخالف ما قاله. ولذا أنزل الله في قصة:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا[ [النساء:94]
فأمرهم الله بالتثبت في شأن من قال كلمة التوحيد، فإن التزم. وإلا لم يحقن دمه وماله بمجرد التلفظ . وهكذا كل من أظهر التوحيد وجب الكفّ عنه إلى أن يتبّين منه ما يخالف ذلك. فإذا تبيّن لم تنفع هذه الكلمة بمجرّدها، ولذلك لم تنفع اليهود ولا نفعت الخوارج مع ما انضمّ إليها من العبادة التي يحتقر الصحابة عبادتهم إلى جنبها، بل أمر صلّى الله عليه وسلّم بقتلهم. وقال "لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد". وذلك لما خالفوا بعض الشريعة، وكانوا شرّ قتلى تحت أديم السماء كما ثبتت به الأحاديث. فثبت أن مجرد كلمة التوحيد غير مانع من ثبوت شرك من قالها لارتكابه ما يخالفها من عبادة غير الله. ا هـ.
قال الإمام ابن تيمية لما سئل عن قتال التتار(6) مع تمسّكهم للشهادتين، ولما زعموا من أتباع أصل الإسلام. فقال: "كل طائفة ممتنعة من التزام شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم أو غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا الشريعة،
وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه. كما قاتل أبو بكر رضي الله عنه والصحابة مانعي الزكاة. وعلى ذلك اتّفق الفقهاء مع سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما. فاتّفق الصحابة على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنّة.
وكذلك ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج والأمر بقتالهم، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم" فعُلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال. فالقتال واجب حتى يكون الدِّين كلّه لله. وحتى لا تكون فتنة. فمتى كان الدِّين لغير الله فالقتال واجب.
فأيما طائفة ممتنعة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحجّ أو عن التزام تحريم الدماء والأموال أو الخمر أو الزنى أو الميسر أو نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب أو غير ذلك من التزام واجبات الدِّين، أو محرّماته التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها -والتي يكفر الواحد بجحودها-، فإن الطائفة الممتنعة تقاتَل عليها وإن كانت مقرّة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء.
وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنْزلة البغاة الخارجين على الإمام أو الخارجين عن طاعته كأهل الشام مع أمير المؤمنين على بن أبى طالب. وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام".
وقال في آخر كلامه: "والصحابة لم يكونوا يقولون هل أنت مقرّ بوجوبها أو جاحدٌ لها؟ هذا لم يعهد عن الصحابة بحال. بل قال الصديق لعمر رضي الله عنهما: "والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقاتلتهم على منعه"، فجعل المبيح للقتال مجرّد المنع لا جحد الوجوب.
وقد روى أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن يخلُّو بها،ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم سيرة واحدة. وهى قتل مقاتلهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار. وسمّوا جميعاً أهل الردّة. وكان من أعظم فضائل الصديق عندهم، أن ثبته الله على قتالهم. ولم يتوقّف كما توقّف غيره حتى ناظرهم فرجعوا إلى قوله. وأما قتال المقرِّين بنبوة مسيلمة الكذَّاب فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم" اﻫـ [الفتاوى:م 28/ص 501].
فإن قال قائل قد ورد في السنة أحاديث تدلّ على أن الإنسان كان يصبح معصوم الدم والمال عند النبي صلّى الله عليه وسلّم بمجرد قوله"لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة، كحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه قال: {قام النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلى. فقال: أين مالك بن الدخشم؟ فقال رجل: ذلك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تقل ذلك ألا تراه قد قال "لا إله إلا الله" يريد بذلك وجه الله. وأن الله قد حرّم على النار من قال "لا إله إلا الله" يبتغي بذلك وجه الله}.[متفق عليه].
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:{ثم أتاه رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبهة، كثّ اللحية، مشمر الإزار، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا رسول الله، فرفع رأسه إليه. فقال: ويحك أليس أحق الناس أن يتقي الله أنا؟ ثم أدبر فقال خالد: ألا أضرب عنقه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فلعله يكون يصلي فقال: إنه رُبَّ مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشقّ بطونهم} [مسلم].
وحديث أن رجلا سار‍ّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما سار به حتى جهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المسلمين. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {أليس يشهد أن "لا إله إلا الله"؟ فقال بلى ولا شهادة له، قال: أليس يصلِّى؟ قال بلى ولا صلاة له، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم} [الموطأ وأحمد].
قلنا في الجواب عن ذلك: أنه ليس هناك تعارض بين النصوص. وهؤلاء الذين نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن تكفيرهم وقتلهم، كان ظاهرهم يدلّ على إسلامهم، لإظهارهم التوبة من الشرك وإقامة الصلاة. وقد نهى الله تعالى عن قتل من كانت هذه صفته، فقال: ]فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [[التوبة:5] ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: {أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم}.
فقائل "لا إله إلا الله" إذا كان تائباً من الشرك والكفر ثم أقام الصلاة وآتى الزكاة وأظهر الإيمان بما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم جملةً، يكون هذا القائل مسلماً، له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين. أما إذا قال "لا إله إلا الله" وهو غير تائب من الشرك والكفر. أو أظهر التوبة من ذلك وامتنع عن فعل الصلاة أو الزكاة فلا يُعتبر هذا القائل مسلماً. للأدلّة المتقدّمة.ثم إن الذي يُظهر التوبة من الشرك والكفر ويُظهر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يكون على إحدى حالتين :
الأولى: أن يكون مؤمناً ظاهراً وباطناً فينفعه قوله ذاك في الدنيا والآخرة.
الثانية:أن يكون مظهراً للإيمان،مبطناً للكفر فيكون منافقاً في الدرك الأسفل من النار. ولكنه في الدنيا يعامل كمعاملة المسلمين لإتيانه بالإسلام الظاهر وإن أبطن العداوة والبغضاء للحق وأهله. وهذه الأحاديث إنما تدلّ على عصمة دماء هذا الصنف من الناس ما لم يظهروا ردة صريحة.
وقد كان المنافقون في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم مظهرين للإسلام والتوبة من الشرك وكانوا يصلُّون خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم ويقاتلون معه أعداءه المشركين، ولم يكن صلّى الله عليه وسلّم يعرف أعيانهم جميعا.
قال الله تعالى: ]وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ اْلأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ اْلمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ[ [التوبة:101]
وكانت سيرته صلّى الله عليه وسلّم في المنافقين أن يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله، ولهذا كان يقع بينهم وبين المسلمين تناكح وتوارث لعدم تمّيزهم من المسلمين، إلا بما يعلمه الله من سرائرهم. ولم يأمر الله تعالى نبيه بقتل المنافقين المندسِّين في صفوف المؤمنين. لأنهم كانوا في أعين عشائرهم "مسلمين". وكان قتلهم يؤدى إلى تسرب الشكّ إلى قلوب بعض الناس وحصول الخلل في صفوفهم. وقد كاد الحيان "الأوس" و "الخزرج" يقتتلان لما طلب سيد الأوس من النبي صلّى الله عليه وسلّم قتل الذي آذاه وأهله في حديث الإفك.
وأيضا إذا قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم أقواماً لا يدلّ ظاهرهم إلا على الإسلام لأدى ذلك إلى تشويه سمعة الإسلام، ولوجد الحاقدون سبيلاً إلى الطعن فيه. ولربما قالوا "إن محمداً ملكٌ كسائر الملوك الذين لا يتقيدون بشرع، فيقتلون من شاؤا متى شاؤا". فينتج من ذلك أن يتباطأ الناس عن الاستجابة للدعوة التي كان حريصاً على إتمامها. ولِذا قال عند ما طُلب منه أن يأمر بقتل ابن أبيّ(7): {دعه لا يتحدث الناس إن محمداً يقتل أصحابه} [متفق عليه].
أما من أظهر الشرك والكفر بعد قوله "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فحكم الله ورسوله فيه أن يُستتاب، فإن تاب. وإلا قتل لقوله صلّى الله عليه وسلّم: {من بدَّل دينه فاقتلوه} وهذا لا خلاف فيه بين علماء المسلمين كما قال ذلك الإمام ابن تيمية. ولهذا قال البغوي: "فان كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرّم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده" أي لا يكون بمجرّد كلمة التوحيد مسلماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كان أبوه من قواد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه استشهد في موقعة الجسر وأخته "صفية بنت أبي عبيد" كانت زوجة "ابن عمر" رضي الله عنهما، استولى "المختار" علي الكوفة ودعا الناس إلي الثأر والطلب لدم الحسين بن عليّ رضي الله عنهما فوجد أنصاراً فطارد قتلة الحسين ومن كان في الجيش الذي قتل الحسين، فقتل منهم أعداداً كثيرة فأحبّه الناس. ثم التقي قائده "إبراهيم بن الأشتر" بجيش الشام بقيادة "عبيد الله بن زياد" فانتصر "إبراهيم" وقتل "عبيد الله" في موقعة "خازر". ولما قوي أمر المختار وأطاعه الناس ادّعي النبوة والوحي فتفرّق عنه الناس، قتله "مصعب بن الزبير" وكان يقود جيشاً أرسله "عبد الله بن الزبير" في سنة (67ﻫـ) .
(2) من أوائل نفاة الصفات زعم أن الله لم يتّخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلِّم موسى تكليماً فقُتل بالعراق، قتله "خالد بن عبد الله القسري" يوم عيد الأضحى قال: "أيها الناس ضحوا تقبّل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلِّم موسى تكليماً، تعالى الله عمّا يقول الجعد علوّاً كبيراً ثم نزل فذبحه. وكان ذلك في خلافة هشام بن عبد الملك (105-125ﻫـ) .
(3) إليه تنسب الجهمية الذين ينفون صفات الله ويقولون "إن الإيمان هو المعرفة القلبية" قيل إنه جادل ملاحدة الهند فقالوا: هل رأيت إلـهك هل سمعت هل لمست هل شممت، فقالوا: إنما تعبد عدماً، فشكّ وترك الصلاة أربعين يوماً ثم ابتدع بدعة وقال: "هو روح لا يرى ولا يسمع ولا يشمّ ولا يلمس وهو في كلّ مكان" . وبدعة الجهمية ولدت بدعة الاتحادية. اشترك جهم في ثورة ضدّ الدولة فقُتل سنة (128ﻫـ) .
(4) من كبار الصوفية الزهاد وكان يجول في البلاد يدعوا إلي الزهد، أُتُّهم بالزندقة وأنه يري رأي أهل الحلول والإتحاد، وشهد عليه كثيرون وأخرجوا بعض ما كتبه وفيه "أنه إله في الأرض"،. فقُتل في سنة (309ﻫـ) بعد أن مكث في الحبس سنوات كثيرة، وُجد فيما بعد طائفة تعظِّمه عُرفت بالحلاجية.
(5) قيل "كان يهوديّ الأصل" وكان من الذين مكروا بالإسلام وأشعلوا نار الفتنة التي أدّت إلي مقتل أمير المؤمنين "عثمان بن عفان" رضي الله عنه.كان يجول في البلاد البعيدة عن مقرّ الخلافة فينشر فيها أفكاراً منحرفة لإضلال الجهال، من ذلك قوله:"إن لكل نبيّ وصيّاً وإنّ وصيّ محمّد عليّ"وذلك لإبطال شرعية خلافة عثمان. أتباعه معروفون بالسبيئية وهم الذين ألّهوا عليّاً رضي الله عنه فحرّقهم بالنار، وطلب "ابن سبأ" ليقتله فهرب منه.
(6) كانوا قبائل بدوية من الترك فجمعهم "جنكزخان" ووضع لهم كتابه "الياسق" ليكون دستوراً لهم، تغلّب علي الصين والبلاد الآسيوية وزحف إلي المشرق الإسلامي سنة 616ﻫـ وأفسدوا في البلاد بالقتل والنهب والتحريق.مات الطاغية جنكزخان في سنة 624ﻫـ. استولى حفيده "هولاكو" علي بغداد العاصمة الإسلامية وقتل الخليفة والأمراء والعلماء وما لا يحصى من الخلق، وأسّس الدولة "الإيلخانية" التي بقيت من (656-736ﻫـ). ادّعى أحد ملوكهم وهو "محمود قازان" الإسلام ولكنه لم يغيِّر سيرة أسلافه في القتل والنهب والتوسّع في البلاد الإسلامية، وهزمه المسلمون بقيادة "الملك الناصر" في موقعة "شقحب" بقرب دمشق، واشترك الإمام ابن تيمية فيها، وكان ذلك في سنة (702ﻫـ).
(7) هو عبد الله بن أبيّ ابن سلول الخزرجي، رأس المنافقين، كان قومه قد أرادوا أن يجعلوه مثل الملك عليهم ونظموا الخرز ليتوجُّوه، وكان الوحيد الذي رضيت به القبيلتان الأوس والخزرج معاً لأنه كان قد اعتزل الحروب الأخيرة التي دارت بينهم، فلما جاء الإسلام وهاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وأسلمت الأنصار، حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم وأضمر له الكيد وأظهر الإسلام بعد غزوة بدر. مات منافقاً فصلّى عليه النبي فأنزل الله ]ولا تصلِّ علي أحد منهم مات أبداً ولا تقم علي قبره[ (التوبة).

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ

الحقيقة الثالثة عشرة
إن الناس في كتاب الله أقسام ثلاثة هي:
الأول: الكافرون. وهم الذين لم يؤمنوا بالله وحده بل عبدوا معه غيره، أو كفروا بملائكة الله، أو كتبه، أو رسله، أو اليوم الأخر، أو استكبروا عن الانقياد لأوامر الله من الوثنيـين وأهل الكتاب والمجوس والمرتدين عن الإسلام
وآيات القرآن صريحة في كفر هذه الطوائف، وعدم قبول الله لأعمالهم الصالحة، ودخولهم النار، وخلودهم فيها. وقول أحدهم "لا إله إلا الله" مع إصراره على الكفر لا ينفعه شيئاً، ولا ينال فضل الكلمة العظيمة. لأنّ الله قال عن رسله الذين أرسلهم بـ"لا إله إلا الله" وكانوا أعلم الناس بها:
]وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ [الأنعام:88]
ولم يستثن الله قولهم "لا إله إلا الله" من أعمالهم التي يحبطها الشرك ولم يقل: ]وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ ، إلا قولهم "لا إله إلا الله" فإنه لا يحبطه الشرك وسينالون فضل الكلمة وإن أشركوا.
وكذلك قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: ]لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[. [الزمر:65].
ولم يستثن كذلك قوله "لا إله إلا الله" من جملة أعماله. فدل ذلك على أن من أشرك بالله وهو من القائلين بـ"لا إله إلاّ الله" لا يبقى له عمل واحد، وسيكون من الخاسرين في الدنيا والآخرة. فإن قيل أن قول "لا إله إلا الله" ليس من الأعمال وإنما هو من الأقوال. فالجواب لقد فهم السلف أنها من الأعمال. فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما عن قوله تعالى: ]فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ [الحجر:92-93]. قال: عن "لا إله إلا الله". وقال مجاهد كذلك: عن "لا إله إلا الله".
ويروى ذلك مرفوعاً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من حديث أنس: {]فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[.قال:عن "لا إله إلا الله"} [الترمذي/وإبن جرير].
فهي إذاً من الأعمال. فمن أشرك بالله، وهو لا يزال يقول بلسانه "لا إله إلا الله" لا ينال فضلها العظيم قبل أن يتوب من الشرك. وستكون من أعماله التي أحبطها الشرك بالله. ومن تمسك بأنها من الأقوال، ولم تدخل في جملة الأعمال التي أحبطها الشرك. فلن ينفعه ذلك أيضا من وجه آخر، وهو إن من أحبط جميع أعماله الصالحة وبقيت له كلماته الطيبات التي يقولها بلسانه كـ"سبحان الله" "والحمد لله" و "لا إله إلا الله" و "الله أكبر" قد بيّن القرآن أنها لا ترفع إلى الله، فقد قال الله تعالى: ]إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[ [فاطر:10].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الكلم الطيِّب ذكر الله تعالى، يصعد به إلى الله عزّ وجلّ والعمل الصالح أداء الفريضة، فمن ذكر الله تعالى في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله عز وجل. ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه ردّ كلامه على عمله فكان أولى به". [ابن جرير]
وقال إياس بن معاوية: "لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام" .[ابن كثير]
وقال الحسن و قتادة: "لا يقبل الله قولاً إلا بعمل من قال وأحسن العمل قبل الله منه" [ابن جرير].
الثاني: المنافقون وهم الكفار الذين أخفوا كفرهم وتظاهروا بالإسلام والإيمان. فكان لهم في الدنيا أحكام المسلمين، وفي الآخرة أحكام الكفار، فهم يدخلون النار ويخلدون فيها. لأنهم في الحقيقة كالصنف الأول، وهم مثلهم في عدم قبول الله لأعمالهم الصالحة.
قال الله تعالى: ]قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ. وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ[[التوبة:53-54].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لرجل ممن يدّعى الإسلام هذا من أهل النار. فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة. فقيل يا رسول الله الذي قلت إنه من أهل النار فإنه قاتل قتالاً شديداً وقد مات، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إلى النار، قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكنه به جراحاً شديداً. فلما كان من اللّيل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه. فأُخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك. فقال:"الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله" ثم أمر بلالاً فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وأن الله ليؤيِّد هذا الدِّين بالرجل الفاجر}. [متفق عليه].
ولم ينفع المنافقين قولهم "لا إله إلا الله" لأن هذه الكلمة لا تنفع إلا من قالها "صدقاً من قلبه" "غير شاك"، والمنافقون يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم فكانوا من أصحاب النار.
وما قاله الله تعالى في القرآن في شأن المنافقين مع كثرتهم في المجتمع الإسلامي وتظاهرهم بالإسلام والتوحيد دليلٌ كاف يردّ على الذين أخذوا الحديث {من قال "لا إله إلا الله" دخل الجنة} على عمومه ولم يفرقوا بين من قالها بصدقٍ ومن قالها بنفاقٍ.
وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما، وهما الكافرون والمنافقون لا ينفعهم في الآخرة تكلُّمهم بالتوحيد، ولا يدخلون الجنة أو يخرجون من النار بفضل "لا إله إلا الله"، وليسوا هم المقصودين في جميع الأحاديث التي تتحدّث عن فضل "لا إله إلا الله" والتي فيها أن من قالها "دخل الجنة" أو "حرّم على النار" أو "سيخرج من النار"
ومن احتجّ لدخول الكافرين والمنافقين الجنة بالحديث: {من قال "لا إله إلا الله" دخل الجنة} وقال: "أنا أخذت الحديث على عمومه"، لا يختلف شيئاً عمن احتجّ بالحديث {من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجاباً من النار أو دخل الجنة}. وقال: "أنا أخذت الحديث على عمومه. وأن من مات له ثلاثة من الولدلم يبلغوا الحنث سيدخل الجنة وإن كان مشركاً أو يهودياً أو نصرانياً"!!. فكما لا يصحّ أن يؤخذ هذا الحديث على عمومه كذلك لا يصحّ أن يؤخذ الحديث الآخر {من قال "لا إله إلا الله" دخل الجنة} على عمومه. لأن كلا الحديثين لا يتناول الكفار والمنافقين الذين بيَّن القرآن أحكامهم في سور كثيرة، وعرف أنهم لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها.
قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أّبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ[ [الأعراف:40].
وقال الله تعالى: ]إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً[ [النساء:140].
وقال الله تعالى:]ليُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيماً[ [الأحزاب:73].
الثالث: وهم المؤمنون. الذين آمنوا بالله وحده وعبدوه لا شريك له وآمنوا بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. واتّبعوا ما أُنزل إليهم من ربهم. وهؤلاء الذين ينفعهم قولهم "لا إله إلا الله" في الدنيا والآخرة، ولكن بالنظر إلى تفاضل درجاتهم وقيامهم بأوامر الله ينقسمون إلى أقسام ثلاثة:
1- المحسنون : وهم المؤمنون الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرّمات والمكروهات، وهم أحرصهم على الخير وأسرعهم إلى فعل الخيرات وهم ]وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ[ [الواقعة:10-11].
2- المؤمنون : وهم الذين فعلوا الواجبات وتركوا المحرّمات وهم الذين سمّاهم القرآن أصحاب اليمين أو أصحاب الميمنة. وهذان القسمان المحسنون والمؤمنون هم الذين وعدهم الله الجنة والنجاة من النار لكمال إيمانهم ويقينهم وصدقهم وإخلاصهم .
قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ اْلفِرْدَوْسِ نُزُلاً. خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً[ [الكهف:107-108].
وهم الذين قالوا "لا إله إلا الله" صدقاً من قلوبهم غير شاكين، يبتغون بذلك وجه الله. ولذا قاموا بفعل الواجبات وترك المحرّمات. فحرَّمهم الله على النار ولم يحجبهم عن الجنة.
قال الله تعالى:]لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوْا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاْليَوْمِ اْلآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَاْلكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَأَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البأساء والضرّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[ [البقرة:177].
وقال الله تعالى:]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون[[الحجرات:15]
فيتبيّن من الآيات أن الصادقين في إدّعائهم للإيمان الذين ليس في قلوبهم شكّ وريب، هم الذين يقومون بفعل الواجبات وترك المحرّمات. وقيامهم بذلك دليلٌ على صدقهم ويقينهم.
قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ - ﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ - ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.
وقال عن المنافقين: ]فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ[ ، ]وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ[.
فوصفهم بالريب والشكّ والكذب وعدم الصدق. ولذلك عجزوا عن فعل الواجبات وترك المحرّمات فكانوا هم الفاسقين.
قال الله تعالى: ]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ [التوبة:67].
ولأهمية الصدق واليقين نبَّه النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك في أحاديثه، لأن من اتّصف بهما لا يكون مصرّاً على ذنبٍ أصلاً. ولا يحبّ إلى ما يحبُّه الله ورسوله فيكون عندئذٍ محرَّماً على النار.
قال صلّى الله عليه وسلّم: {ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرّمه الله على النار}. [متفق عليه].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: {لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك فيُحجب عن الجنة} [مسلم].
وكذلك من اتّصف بالإخلاص لا يكون مشركاً، ولا مرائياً بأعماله. ويكون حنيفاً مقبلاً على الله معرضاً عما سواه. فلا يكون حينئذٍ مصرّاً على ذنبٍ لانجذاب قلبه إلى الله. ومن كان حاله كذلك لا يكون من أهل النار. قال صلّى الله عليه وسلّم :{فإن الله حرّم على النار من قال "لا إله إلا الله" يبتغي بذلك وجه الله} [متفق عليه].
وأخبر أن أسعد الناس بشفاعته هو: {من قال "لا إله إلا الله" خالصاً من قلبه} [البخاري].
3- أهل الوعيد: وهم قوم لهم إيمان يفرقهم عن الكفار والمنافقين، فآمنوا بالله وحده وعبدوه لا شريك له. ولكنهم ضعفوا عن بعض تكاليف الإيمان فوقعوا في المحرّمات أو تركوا الواجبات من غير استحلال. ولذلك فهم في أحكام الدنيا مع المؤمنين والمحسنين ويشملهم قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا[ وجميع أهل هذه المراتب الثلاثة مسلمون، لكونهم استجابوا لدعوة التوحيد والإسلام.
ولكن لما كان المؤمن هو الذي حُرّم على النار ويدخل الجنة بلا عذاب، لا يُقال لأهل هذه المرتبة الأخيرة "مؤمنون"، لكونهم من أهل الوعيد الذين إن شاء الله عذَّبهم بذنوبهم وإن شاء غفر لهم ذلك كله. ولكن يُقال لهم "مسلمون".
وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الله سيخرج من النار أقواماً لتوحيدهم وعدم شركهم بعد أن مكثوا فيها مدّةً لا يعلمها إلا الله.
فجاء في حديث الشفاعة: {حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً ممن أراد الله أن يرحمه ممن يشهد أن "لا إله إلا الله"، فيعرفون في النار بأثر السجود} [متفق عليه].
وفي رواية: {يخرج من النار من قال: "لا إله إلا الله" وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: "لا إله إلا الله" وكان في قلبه من الخير ما يزن برّة، ثم يخرج من النار من قال:"لا إله إلا الله" وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة} [متفق عليه].
وهؤلاء الذين يخرجون من النار وكان في قلوبهم من الخير ما يزن شعيرةً أو برّةً أو ذرةً، لا خلاف بين علماء الإسلام أنهم أهل الكبائر الذين لم يشركوا بالله شيئاً وكانوا من أهل الإسلام. ولم يقل أحدٌ منهم أن أهل الكفر والنفاق الذين كانوا يقولون "لا إله إلا الله" في الدنيا سيخرجون من النّار. لأنه قد ثبت لديهم ببيان القرآن أن أهل الكفر والنفاق خالدون في النّار، وليسوا بخارجين منها ولا تنفعهم شفاعة الشافعين. فليسوا إذن من أهل "لا إله إلا الله" وإن قالوها وليس في قلوبهم مثقال ذرة من خير يتقبَّله الله منهم.
هذه هي أقسام الناس كما بيَّنه الكتاب والسنة وكما هو مذهب علماء السلف "كافرون" و "منافقون" و "ومؤمنون". والمؤمنون على مراتب بعضها أفضل من بعض:"محسنون" و "مؤمنون مقتصدون" و "أهل الوعيد". ومن قال أن هناك صنفاً رابعاً غير "الكافرين" و "المنافقين" و "المؤمنين" وقال: هذا الصنف الرابع هو قومٌ يعملون بالشرك والكفر ويتَّبعون ما لم يأذن به الله من كتب الطواغيت ولكنَّهم يدخلون الجنة بفضل قولهم "لا إله إلا الله"، من قال ذلك فقد افترى إثماً عظيماً وابتدع في دين الله بدعةً شنيعةً والله حسيبه وهو بعباده خبيرٌ بصيرٌ.
ولكن ينبغي التنبُّه لبعض الأمور:
الأول: إن الإنسان قد يؤمن بالله ويشهد أن "لا إله إلا الله" صدقاً من قلبه، مستيقناً بها قلبه، غير شاكّ، ويبتغى بذلك وجه الله، ولكن يعاجله الموت قبل أن يعمل في الإسلام عملاً واحداً أو أعمالاً كثيرةً. فهذا يدخل الجنة كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : {ما من عبد يشهد أن "لا إله إلا الله" وأنَّ محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرّمه الله على النار} [متفق عليه].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: {من شهد أن "لا إله إلا الله" وأن محمداً رسول الله حرّمه الله على النار} [مسلم].
ومما وقع في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم من ذلك ما يأتي:
عن أنس رضي الله عنه أن يهودياً قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أشهد أنك رسول الله" ثم مات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {صلُّوا على صاحبكم} [أحمد/أبو يعلى].
عن أنس رضي الله عنه قال: {كان غلام يهودي يخدم النبي صلّى الله عليه وسلّم فمرض فأتاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم. فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار} [البخاري].
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: {كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسيرة ساره إذ عرض له أعرابيٌّ فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد خرجتُ من بلادي وتلادي ومالي لأهتدي بهداك وآخذ من قولك، وما بلغتك حتى مالي طعام إلا من خضر الأرض فأعرض عليّ، فعرض عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقبِل، فازدحمنا حوله، فدخل خف بكره في بيت جرذان فتردَّى الأعرابيُّ فانكسرت عنقه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "صدق والذي بعثنى بالحق لقد خرج من بلاده وتلاده وماله ليهتدي بهداي ويأخذ من قولي، وما بلغني حتى ما له طعام إلا من خضر الأرض أسمعتم بالذي عمل قليلاً وأُجر كثيراً؟ هذا منهم"}
وفي لفظ: {هذا عمِل قليلاً وأُجِر كثيراً} [ابن أبي حاتم/وأحمد].
قال البراء رضي الله عنه: {أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلٌ مقنع بالحديد فقال يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: أسلم ثم قاتل. فأسلم ثم قاتل فقُتِل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمِل قليلاً وأُجر كثيراً} [البخاري].
وثبت في السيرة أن عمرو بن ثابت بن وقش أسلم يوم أُحد فباشر القتال فقُتِل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {إنه من أهل الجنة}. وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (أخبروني عن رجل دخل الجنة لم يصلّ صلاة. ثم يقول: هو عمرو بن ثابت).
الثاني: إن الإنسان المسلم قد يكون مسرفاً على نفسه، كثير الذنوب، مرتكباً للكبائر، ثم يوفقه الله للتوبة النصوح. فيقبل الله توبته ثم إنه قد يعمل بعد ذلك أعمالاً صالحةً وقد يموت، فيلقى الله بما قدم من الذنوب قبل أن يتوب مع توبته النصوح وتوحيده الخالص الذي مات عليه، فيدخل الجنة كما جاء في حديث البطاقة.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: {يُصاح برجل من أمتي على رؤس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مدّ البصر، ثم يُقال: أتنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يا ربِّ. فيُقال: ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا. فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن "لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" فيقول: يا ربِّ ما هذه البطاقة مع هذا السجلات؟ فيُقال: إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات، وثقُلت البطاقة}[الترمذي/والنسائي/والحاكم].
قد مرّ بك أن كلمة التوحيد لا تنفع الكافرين في الآخرة. وأنها لا تمنع بعض المسلمين من دخولهم النار، وتمنع بعضهم من ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه:
"فلا منافاة بين الأحاديث فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرّاً على ذنبٍ أصلاً، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحبّ إليه من كل شيء ، فإذاً لا يبقى في قلبه إرادة لما حرّم الله ولا كراهية لما أمر الله، وهذا هو الذي يحرم على النار، وإن كانت له ذنوبٌ قبل ذلك، فإن هذا الإيمان وهذه التوبة وهذا الإخلاص وهذه المحبّة وهذا اليقين لا تترك له ذنباً إلاّ يمحى كما يمحي اللّيل بالنهار".

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻗﻮﻝ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻤﻨﻊُ ﺍﻟﻮﺻﻒ ﺑﺎﻟﺸﺮﻙ

الحقيقة الرابعة عشرة
بيّنت الشريعة الإسلامية أن الإنسان المسلم الذي شهد أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" إذا ارتكب كبيرةً من كبائر الذنوب، فإنه يستحقّ أن يوصف بما فعله. وأن يجد جزاء فعله في الدنيا والآخرة إلا إذا ستره الله في الدنيا أو غفر له في الآخرة.
فإن قتل المسلمُ مسلماً بغير حقّ، يُسمَّى القاتل "قاتلاً" في الدُّنيا. ولا يمنع قوله "لا إله إلا الله" أن يوصف بالقتل.ويقال له هذا "القاتل" وأن يقتصَّ منه كمالا يمنع قوله ذلك أن يدخل النار.
قال الله تعالى: ]وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً[ [النساء:93].
وكذلك "الزاني" يسمَّى في الشريعة زانياً ولا يمنع قوله "لا إله إلا الله" أن يُقال له ذلك وأن يُجلد أو يُرجم.
قال الله تعالى: ]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ[ [النور: 2].
كما لا يمنع قوله ذلك أن يعذب بعذاب الله في الآخرة.
قال الله تعالى: ]وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَنْ تَابَ ....[ [الفرقان:68-70].
وكذلك "آكل الربا" يسمَّى في الشريعة آكل الربا مع قوله "لا إله إلا الله".
قال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ[ [البقرة:278-279].
وقال الله تعالى:]وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ [البقرة:275].
وقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه آكل الربا وهو في نَهر من دم لا يقدر على الخروج منه. كما رأي الزناة وهم يعذَّبون في تنورٍ أعلاه ضيّق وأسفله واسع أوقدت فيه نار عظيمة كما جاء في الحديث الصحيح.
وكذلك السارق يقال له "سارقاً" وتُقطع يده وهو يقول"لا إله إلا الله".
قال الله تعالى: ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ[. [المائدة:38].
وكذلك القاذف يقال له "قاذفاً" ويُقام عليه حدّ القذف وهو يقول "لا إله إلا الله".
قال الله تعالى: ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاْ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ [النور:4].
وكذلك من كذب في الحديث يقال له "كاذباً" ويكون مردود الشهادة مع قوله "لا إله إلا الله". وقد رأي النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه الكذّاب وهو يعذب بكلوب من حديد يدخَل في فيه فيُشَقُّ شدقه إلى قفاه ثم يفعل كذلك بشدقه الآخر، كما جاء في الحديث الصحيح.
وهكذا جميع الكبائر والبدع من فعل شيئاً من ذلك فإنه يوصف به ويلقى جزاءه. والشرك بالله كبيرة من الكبائر، بل إنه أكبر الكبائر، كما صحّ ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين}. [متفق عليه].
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: {أن تجعل لله نداً وهو خلقك}. [متفق عليه].
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: {اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هنّ؟ قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات}. [متفق عليه].
فهل يصحّ أن يُقال: إن أكبر الكبائر أخفُّ ضرراً على فاعله من سائر الكبائر، وأن يُقال: إن من أشرك بالله لا يُقال له"مشركاً" في الدنيا ولا يدخل النار في الآخرة إذا كان يقول: "لا إله إلا الله".
من الظاهر البيِّن أن ذلك لا يصحّ عقلاً ونقلاً. ولكن ما الذي جعلهم يقلِّبون الحقائق هكذا؟ إذا فكرنا في السبب، فإننا نجد أنه كامن في سوء فهمهم للتوحيد وظنِّهم بأنه "النطق" لا غير، فما دام الإنسان ينطق بـ"لا إله إلا الله" فلا شرك هناك ولا كفر. ولذلك يتعجبون من هذا السؤال ما حكم من يقول "لا إله إلا الله" وهو مع ذلك يشرك بالله؟ فيكون جوابهم على الفور لا تقل يشرك بالله، أليس يقول "لا إله إلا الله"!! لأنّ الشرك عندهم أن يرفض الإنسان أن ينطق بـ"لا إله إلا الله" كما كان حال مشركي العرب، والتوحيد عندهم أن ينطق بهذه الكلمة مجرّد النطق. فلابدّ من تفهيمهم أولاً "حقيقة التوحيد" و "حقيقة الشرك" وأصناف المشركين قبل أن يدار معهم محاورات ومناظرات دينية فإن هذا هو الأفضل والأنسب.
]وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يشاء إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ [البقرة:213].

* * *

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﺷﺮﻁُ ﻗﺒﻮﻝ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ

الحقيقة الثانية عشرة
قد بيّن الله تعالى أن الإيمان شرطٌ لقبول العمل الصالح. وأن الكافر مهما عمل لا يكون عمله مقبولاً عند الله حتى يؤمن بالله ويعبده وحده لا شريك له.
قال الله تعالى: ]فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ[ [الأنبياء:94].
وقال الله تعالى: ]مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ [النحل:97].
وقال الله تعالى: ]وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً[ [النساء:124].
وبيّن تعالى أنه لا يقبل أعمال المشركين. لأن المشرك ليس مؤمناً بالله لشركه. وليست معرفة المشركين بالله وأنه خالقهم ورازقهم ومالكهم ومدبّر أمرهم إيماناً إلاّ مع التوحيد وإخلاص العبادة له.
قال الله تعالى: ]وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاْءً مَّنْثُوراً[ [الفرقان:23].
وقال الله تعالى: ]وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ [الأنعام:88].
وقال الله تعالى: ]لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ [الزمر:65].
وقال الله تعالى: ]وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَاْلآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ [البقرة:217].
وقد كان مشركو العرب يدّعون أنهم يؤمنون بالله،وأنه ربهم الذي خلقهم.
قال الله تعالى: ]قُلْ مَنْ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ للهِ[ [المؤمنون:86-87].
ولكن الله نفى عنهم الإيمان لشركهم.
وقال الله تعالى: ]وَقُلْ لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ[ [هود:121].
وكذلك كان أهل الكتاب قد قالوا : ]نَحْنُ أَبْنَاؤُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ[ [المائدة:18]. ولكن الله نفى عنهم الإيمان لشركهم.
فقال الله تعالى: ]قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ اْلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[ [التوبة:29].
فإذا عرفتَ أن الله لا يقبل عملاً صالحاً إلاّ بالإيمان. وعرفتَ أنه لا يقبل أعمال المشركين. يجب عليك أن تؤمن بذلك، وتعتقده. لأنه قد دلّت عليه نصوصٌ قطعيةٌ ثابتةٌ. ثم عليك أن تعرف أن كتاب الله لا يناقض بعضه بعضاً، وإنما يصدِّق بعضه بعضاً.
فلا يجوز أن تستخلص من دلالات النصوص الصحيحة الأخرى ما يناقض هذا الذي عرفته واعتقدته. فمثلاً إذا جاءك الحديث الصحيح الذي فيه. {من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه} لا يجوز أن تعجل وتقول أن من حجّ هذا البيت سواءً كان مشركاً أو يهودياً أو نصرانياً ينال هذه الفضيلة، لأن الحديث ورد بصيغة تُفيد العموم. لا يجوز هذا لأنك قد عرفت واعتقدت أن الله لا يقبل أعمال الكافرين والمشركين. وإذاً فلا بدّ أن يكون العموم الوارد في الحديث مقيداً بما تقدّم ذكره من النصوص. لأن كتاب الله لا يناقض بعضه بعضاً. فيجب أن تعلم أنه لا ينال هذه الفضيلة إلا المؤمنون الذين هم بربهم لا يشركون. وأن حجّ المشركين لا يكون أبداً متقبِّلاً عند الله حتى يتوبوا من الشرك. وكلّ ما ورد في الأحاديث بصيغة العموم فهو كمثله. ومن الجهل والخطأ الظنّ بأن المشركين يمكن أن ينالوا فضائل الأعمال الصالحة، إذا فعلوا ذلك في شركهم. ونورد هنا بعضاً من هذه الأحاديث التي وردت بصيغ عامة كأمثلة:
{ما من عبد قال "لا إله إلا الله" ثم مات على ذلك إلاّ دخل الجنة}[مسلم].
{من قال "لا إله إلا الله" نفعه يوماً من دهره}
{من صلَّى العشاء في جماعةٍ فكأنّما قام نصف اللّيل ومن صلَّى الفجر في جماعةٍ فكأنَّما قام اللَّيل كله} [مسلم].
{من صلَّى العشاء في جماعةٍ أربعين ليلةً لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء كتب الله له بها عتقاً من النار} [ابن ماجه].
{من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفاً}
[الترمذي/والنسائي]
{المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} [متفق عليه].
{أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين في الجنة} [متفق عليه].
{من مات له ثلاثة من الولدلم يبلغوا الحنث كان له حجاباً من النار- أو دخل الجنة} [البخاري].
{من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء}. [أبو داود/الترمذي].
{من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضمّ أصابعه} [مسلم].
{إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} [أحـمد].
فجميع هذه الأحاديث: وكل ما جاء على هذا النمط الذي فيه "أن من فعل كذا فله كذا وكذا" فالمراد هو: من فعل كذا من المؤمنين الذين هم بربهم لا يشركون. ولا يشمل العموم الوارد في كل حديث من هذه الأحاديث وغيرها المشركين والمرتدين والمنافقين.
وبيَّن الله تعالى كذلك أنه لا يغفر أن يُشرك به وأنه حرَّم الجنة عن المشركين وأنهم مخلّدون في النار.
قال الله تعالى: ]إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَادُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاْءُ[ [النساء:116].
وقال الله تعالى: ]إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ [المائدة:72].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: {من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار} [مسلم].
وقال أيضا: {من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار} [البخاري].
فيجب على المسلم أن يعتقد ذلك الذي دلّت عليه الأدلّة القطعية الثابتة. وأن لا يشكّ في دخول المشرك النار وخلوده فيها وتحريم الله عليه الجنة.
وأن لا يشكّ كذلك أن ذلك عامٌ في جميع المشركين الذين لا يقولون "لا إله إلا الله" والذين يقولونها. لأن الله لم يفرق بينهم بل بيَّن أن المشركين الوثنيين وأهل الكتاب يدخلون النار ويخلدون فيها. ومعلوم أن أهل الكتاب يقولون "لا إله إلا الله".
قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[ [البينة:6].
وبيَّن كذلك أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. ومعلوم أنهم كانوا يقولون "لا إله إلا الله" ويصلُّون ويحجّون.
قال الله تعالى:] إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ اْلأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً[. [النساء:145].
وبيَّن كذلك أن المرتدين يدخلون النار، ويخلّدون فيها. وقد كان كثير منهم يقولون "لا إله إلا الله" كبني حنيفة ومانعي الزكاة وغيرهم.
قال الله تعالى:]وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَاْ والآخرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ [البقرة:217].
فإذا آمنت بِهذه الآية وعرفت أن التلفظ بكلمة التوحيد لا ينجى الكافرين من دخول النار وخلودهم فيها. عندئذٍ تعرف عظم الجريمة التي يرتكبها أهل الانحراف الذين يقولون من قال "لا إله إلا الله" دخل الجنة وإن وقع في الشرك فعبد مع الله غيره. فنقول لهؤلاء الذين سلكوا مسلك اليهود في تحريف الدِّين.
Û القرآن دلّ على أن من مات على الشرك والكفر والنفاق يدخل النار، ويخلد فيها. ولن ينفعه قوله "لا إله إلا الله". فهل عندكم آية واحدة أو خبر واحد صحيحٌ يدلُّ على أن من مات على الشرك والكفر والنفاق ينجو من النار، أو يخرج من النار بفضل قول "لا إله إلا الله"؟.
Û ونقول لهم أيضا: القرآن دلّ –وكذلك السنة- على أن بعض الناس يدخلون النار بسبب ذنوبهم التي هي دون الشرك بالله، ولم يحجزهم إسلامهم وقولهم "لا إله إلا الله" عن دخول النار. فهل عندكم أدلة صحيحة تدلّ على أن قول "لا إله إلا الله" ينفع في الآخرة من مات على الشرك، ولا ينفع من مات على الإسلام ؟
Û ونقول لهم أيضاً: قد دلّت السنة الصحيحة على أن الله سيخرج من النار أقواماً يقولون "لا إله إلا الله" ممن كانوا لا يشركون به شيئاً بفضله وكرَمه. لأنَّ الله يغفر ما دون الشرك به لمن يشاء. فمن أين وجدتم أنتم الأدلّة القاضية بأنّ أهل الشرك والنفاق كذلك سيخرَجون من النار بسبب ما كانوا يقولونه بألسنتهم في الدُّنيا بغير صدقٍ ولا إخلاصٍ ولا يقينٍ؟.
إن غلاة المرجئة المعروفين (بالكرامية)(1) الذين قالوا إن المنافقين مؤمنون. لأن الإيمان قول باللِّسان فقط. والمنافقون قد قالوا بأفواههم آمنّا، ويشملهم الخطاب في قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا[.
إن هؤلاء المرجئة مع ما في رأيهم من انحراف وضلال كانوا أقرب إلى الحق من المرجئة المعاصرة(2)، لأن الأولين لم يقولوا: إن المنافقين يدخلون الجنة بـ"لا إله إلا الله".
أما المعاصرون فيقولون: أن المشرك لا يضرّه شركه في الدُّنيا والآخرة إذا كان من الذين يقولون "لا إله إلا الله" في الدنيا ويستدلُّون لذلك بالحديث:
{من قال "لا إله إلا الله" دخل الجنة}. ولا حجَّة لهم في ذلك كما عرفت.
ــــــــــــ
(1) اسم لغلاة من المرجئة القائلين بأن الإيمان قول باللسان لأن الله لما خاطب بقوله]يا أيها الذين آمنوا[ دخل في الخطاب المنافقون، فكلّ من ادّعى الإيمان بلسانه فهو مؤمن في الدنيا وإن كان كافراً بقلبه، ولكنهم لم يقولوا إن المنافقين يدخلون الجنة. وأول من ابتدع ذلك "محمّد بن كرّام" وإليه تنسب الكرّامية.
(2) هي طائفة من المرجئة فاقو الكرّامية في الإرجاء وجعلوا المشركين عبّاد القبور، والطواغيت الحاكمة بالقوانين الوضعية مؤمنين في الدنيا، داخلين الجنة في الآخرة بما معهم من الإيمان الذي هو قول اللسان، والمرجئة المعاصرة مشركون لأنهم يتولَّون المشركين، أما الكرّامية فكانوا فرقة مبتدعةً غير كافرة .

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﻳﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ

الحقيقة الحادية عشرة
إن سعادة المرء في الدنيا والآخرة مرتبطةٌ بإيمانه بالله إيماناً حقيقياً. فمن آمن بالله كُتبت له السعادة في الدَّارَين. ومن لم يؤمن بالله كتبت له الشقاوة في الدارين. وصار في الدنيا عدواً لله، ملعوناً، تصيبه قارعةٌ من الله أو تحلّ قريباً من داره حتى يأتي وعد الله.
وقال الله تعالى: ]وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ[ [الرعد:31].
وقال أيضا: ]فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ[ [البقرة:98].
وقد أحلَّ الله للمؤمنين دماء الكافرين، وأموالهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدِّين كله لله. وحتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
وقال الله تعالى: ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ[ [الأنفال:39]
وقال أيضا: ]قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاْ بِالْيَوْمِ اَلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[ [التوبة:29].
وصار من لم يؤمن بالله في الآخرة من الخالدين في العذاب المهين.
قال الله تعالى: ]وَمَنْ لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً[ [الفتح:13].
ومن هنا تدرك ضرورة الإيمان بالله لمن أراد السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. ولكن يجب عليك أن تعرف معنى الإيمان بالله معرفةً صحيحةً. فالخطأ في هذه المسألة ليس كالخطأ في المسائل الأخرى الفرعية. وقد انحرف كثيرون وزاغوا عن المعرفة الصحيحة لمعنى الإيمان بالله الذي أو جبه الله على عباده، وجعل سعادتهم ونجاتهم متعلَّقة بتحقيقه.
والإيمان كما هو في تعريف علماء السلف الموافق للأدلّة الصحيحة هو:
(تصديقٌ وإقرارٌ بالقلب وقول باللِّسان وعملٌ بالجوارح).
ومعنى ذلك أن أحداً لا يكون مؤمناً بالله حتى يؤمن بالله بقلبه ولسانه وجوارحه.
أولاً: الإيمان بالقلب:
1- لا يكون أحد مؤمناً بالله بقلبه حتى يعرف ويستيقن أن الله هو رب العالمين وخالق الكون ومالكه ومدبِّر أمره، وأنه لا شريك له في ذلك كله.
فمن عُرف أنه جاحدٌ منكرٌ لهذه الحقيقة لا يكون مؤمناً بالله بلسانه وجوارحه ولا ينفعه قوله "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة،
وقد أقرّ غالب المشركين بهذا القدر من الإيمان، ولم ينكره إلا الملاحدة الذين كانوا دائماً قلّة.
قال الله تعالى: ]قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَاْلأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ اْلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ[ [يونس:31].
وقال الله تعالى: ]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ[ [الزخرف:9].
2- ولا يكون أحد مؤمناً بالله بمعرفته لهذه الحقيقة وحدها حتى يعرف ويستيقن أن الله وحده هو الإله الذي لا إله إلا هو، المستحقّ لأن تُخلص له العبادة، كالدعاء والرجاء والخوف والتوكل والذبح وأن تُخلص له الطاعة والاتّباع.
وقد كان المشركون دائماً ينكرون هذه الحقيقة وينفرون من حديث إخلاص العبادة لله مع إقرارهم للحقيقة التي قبلها.
قال الله تعالى: ]وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ[ [الزمر:45].
وقال الله تعالى: }فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ{ [غافر:84].
فدلّ ذلك على أن أحداً لا يكون مؤمناً بالله بقلبه حتى يؤمن بهذه الحقيقة ويستسلم لها.فإنه إذا كان الإيمان بربوبية الله للعالمين كافياً في الإيمان بالله، لكان المشركون الذين قاتلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم مؤمنين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ]وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ[. [يوسف:106].
قال: من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماوات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال؟ قالوا الله وهم مشركون به.
ومن عُرِفَ أنه جاحدٌ منكرٌ لهذه الحقيقة، وأنه يعتقد الشركاء والشفعاء المعبودين من دون الله. أو عُرِفَ أنه يعتقد صلاحية شرائع الطواغيت وملائمتها للعصر وأفضليتها على شريعة الله، فقد عُرِفَ أنه لم يؤمن بالله بقلبه. ومن لم يؤمن بالله بقلبه لا يمكن أن يكون مؤمناً بالله بلسانه وجوارحه، حتى يؤمن أولاً بقلبه.
أي أن من عُرِفَ بشركه بالله واعتقاده القلبي المخالف للتوحيد لا يكون مسلما بقول "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة حتى يتوب من الكفر الذي اعتقده ورآه حقّاً وصواباً. أما من لم يُعرف بشركه وكفره وأخفي ذلك عن الناس وأظهر لهم الإسلام والتوحيد فله حكم المنافقين.
وكل من أخطأ في هذه المسألة وحكم على أهل الشرك -الذين عُرِفَ شركهم من إقرارهم وشهادتهم على أنفسهم ومشاهدة أفعالهم- بالإسلام بحجة أنهم يقولون "لا إله إلا الله" فإنه لم يفهم معنى الإيمان بالله وظنّ أن ذلك يتمّ بالإيمان بتوحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، وهذا جهلٌ عظيمٌ بأهمّ قضايا الدِّين الإسلامي التي نزلت أكثر السور القرآنية بتقريرها.
3- وكذلك لا يكون أحد مؤمناً بالله بقلبه، وإن ادّعى أنه يوحّد الله تعالى في الربوبية والألوهية حتى يؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرِّه.
قال الله تعالى: ]وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاْلاً بَعِيداً[ [النساء:136].
وقال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بـَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً. أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[ [النساء:150-151].
ومن عُرِفَ أنه جاحدٌ منكرٌ لهذه الحقائق أو بعضها فقد عُرِفَ أنه لم يؤمن بالله بقلبه، ومن عُرِفَ أنه لم يؤمن بالله بقلبه لا يمكن أن يكون مؤمناً بالله بلسانه وجوارحه حتى يؤمن أولاً بقلبه، أي أن من عُرِفَ بكفره بالملائكة أو ببعض رسل الله أو عُرِفَ بإنكاره للبعث لا يكون مسلماً بقول"لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة وغيرها حتى يتوب من الكفر الذي اعتقده ورآه حقّاً وصواباً. أما إذا أخفي كفره عن الناس، وأظهر لهم الإسلام والتوحيد صار منافقاً له حكم المنافقين في الدنيا والآخرة.
4- ومن عرفَ الله تعالى واستحقاقه لإخلاص العبادة له وعَرف الملائكة والكتب والرسل والبعث بعد الموت، ولكنه استكبر عن الانقياد لأمر الله صار كافراً مستكبراً كإبليس وفرعون، ولم يعد مؤمناً بالله بقلبه. لأن الاستكبار عن الانقياد لأمر الله ينافي المحبّة والخضوع والتذلّل القلبي لله.
قال الله تعالى: ]وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ[ [البقرة:34].
ومن عُرِفَ باستكباره عن الانقياد لأمر واحدٍ من أوامر الله، فقد عُرِفَ أنه لم يؤمن بالله بقلبه، ومن لم يؤمن بالله بقلبه لا يمكن أن يكون مؤمناً بالله بلسانه وجوارحه حتى يؤمن أولاً بقلبه. أي أن من عُرِفَ باستكباره عن الانقياد لله في أمر من أوامره لا يكون مسلماً بقوله "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة وغير ذلك حتى يتوب من كفر الاستكبار.
أما إذا أخفي كفره عن الناس وأظهر لهم الإسلام والانقياد صار منافقاً له حكم المنافقين في الدنيا والآخرة.
ثانيا : الإيمان باللسان:
1- فيجب على كل إنسان أن يشهد أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله". وهذه الشهادة تُعبير عن إجابته إلى الإيمان وبراءته من الشرك. فإذا قالها صدقاً من قلبه غير شاكّ مستيقناً بها قلبه، خالصاً من قلبه يبتغي بذلك وجه الله وكفر بما يُعبد من دون الله نفعته الكلمة في الدنيا والآخرة وكانت أفضل أعماله التي يلقى بها الله. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة التي منها:
حديث أنس بن مالك الذي فيه:{ما من عبد يشهد أن "لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله" صدقاً من قلبه إلا حرّمه الله على النار} [متفق عليه].
وحديث أبى هريرة الذي فيه أن رسول صلّى الله عليه وسلّم قال: {أشهد أن "لا إله إلا الله وأنى رسول الله" لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكّ فيحجب عن الجنة} [مسلم].
وحديث عتبان ين مالك الذي فيه: {فإن الله حرّم على النار من قال "لا إله إلا الله" يبتغي بذلك وجه الله} [متفق عليه].
وحديث أبى هريرة الذي فيه: {اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن "لا إله إلا الله" مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة} [مسلم].
وحديث أبى هريرة: {لما قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: من أسعد الناس بشفاعتك؟. قال: من قال "لا إله إلا الله" خالصاً من قلبه}. [البخاري]
وحديثه:{الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول "لا إله إلا الله" وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.والحياء شعبةٌ من الإيمان} [متفق عليه].
وإن قالها في الشكّ والكفر والنفاق، ولكنه أخفي ذلك عن الناس، نفعته في الدنيا ولم تنفعه في الآخرة. وكان في أسفل دركات النار. أما إذا قالها وهو يُظهر الشرك والكفر والاستكبار عن الانقياد لله لم تنفعه في الدنيا والآخرة.
]إِنَّ اللهَ لاْ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَادُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[ [النساء:116].
]إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ [المائدة:72].
]وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّنْ دُونِ اللهِ وَلِيّاً ولا نَصِيْراً[ [النساء:173].
2- ويجب كذلك على كل مسلم أن يأتي بما يجب عليه من العبادات القوليه كالقراءة والذكر في الصلاة وخارج الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق والاستغفار من الذنوب، وأن يكفّ عما نهى عنه من الأقوال المحرّمة فكل ذلك من الإيمان.
ثالثا: الإيمان بالجوارح.
فيجب على كل مسلم أن يكون مؤمناً بالله بجوارحه، أي أن يكون فاعلاً للواجبات، تاركاً للمحرّمات، بعد إيمانه بالله بقلبه ولسانه. ومن استحلّ فعل المحرّم أو ترك الواجب يكون بالاستحلال كافراً خارجاً عن الملّة.
وإن وقع في المحرّم أو ترك الواجب وهو غير مستحلّ لذلك بل يشعر بالخطيئة والخوف من عقاب العصيان.يكن فاسقاً من أهل الوعيد،ليس خارجاً عن الملَّة، (ولكن يُستثنى من ذلك تارك الصلاة فإنه كافرٌ بتركها، كما دلّت علي ذلك الأحاديث الصحيحة). ويُقال له "مسلم" ولا يقال له "مؤمن" أو يقال "مؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته". قال الله تعالى: ]بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ اْلإِيْمَانِ[ [الحجرات:11].
والنصوص التي ورد فيها نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة يُراد منها أنه لم يأت بالإيمان المطلق الذي يوجب دخول الجنة بغير عذاب. وأنه قد نقص من إيمانه بقدر ما ارتكب فصار من أهل الوعيد الذين هم تحت مشيئة الله.
ومن هذا التلخيص لحقيقة الإيمان نستخلص عدة أمور:
الأول: أن من كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه هو الكافر الحقيقي الذي كفر باعتقاده الباطن، وقد كتب الله الدخول في النار له. ولكنه إذا أظهر كفره في الدنيا عُوقب به في الدنيا والآخرة. وإن أخفاه في الدنيا وأظهر الإيمان والإسلام صار منافقاً له ما للمنافقين في الدنيا والآخرة.
والثاني: إن الكافر بالله هو الذي يُنكر وجود الله وربوبيته في الخلق والملك والرزق والتدبير، والذي يُنكر توحيد الألوهية ويجعل لله شريكاً في العبادة والطاعة، والذي يستكبر عن الانقياد لأوامر الله، والذي يُنكر الملائكة والكتب والرسل والبعث والقدر خيره وشرّه أو بعض هذه الحقائق.
ولا فرق بين هذه الأصناف الأربعة في كونهم من الكفار الذين لم يؤمنوا بالله اعتقاداً، ونفي الإيمان عن هذه الأصناف نفيٌ لوجوده لا لكماله.
الثالث: ومن عُرِفَ كفره الاعتقادي الباطن وعدم إيمانه بالله لا ينفعه إيمانه باللِّسان والجوارح في الدنيا والآخرة، حتى يتوب من كفره الاعتقادي. فمن عُرف إنكاره للبعث لا يكون مسلماً بقوله "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة وغير ذلك. ولا يدخل الجنة بفضل "لا إله إلا الله" حتى يتوب من كفره ويقرّ بالبعث بعد الموت.
وكذلك من عُرف بشركه بالله واعتقاده للشركاء والشفعاء والطواغيت المطاعة من دون الله، لا يكون مسلماً بقوله "لا إله إلا الله" وإقامته للصلاة والزكاة وغير ذلك.ولا يدخل الجنة بفضل"لا إله إلا الله" حتى يتوب من كفره ويخلص العبادة والطاعة لله.
الرابع: إن شهادة أن "لا إله إلا الله" تنفع الإنسان في الدنيا إذا قالها وهو غير متلبس بالشرك والكفر.وقد كفر في ظاهره بكلّ ما يُعبد من دون الله.
ولا تنفع الإنسان في الآخرة إلاّ إذا قالها بصدقٍ ويقينٍ وإخلاصٍ مبتغياً بذلك وجه الله.
الخامس: إن الأعمال من الإيمان. ومن أخلّ ببعضها بدون استحلال لذلك كان ناقص الإيمان ومن أهل الوعيد. ونفي الإيمان عنه نفيٌ لكماله لا لوجوده. ولا يجوز تكفير المسلم بذنبٍ ما لم يستحلّه.

ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺢ ﻭﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ



ﺃﻭﻻ) ﻧﺴﺐ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ

النتائج والآثار السيئة للفكرة المنحرفة
أولاً: نسب أصحاب هذا الفهم المنحرف الاختلاف والتعارض إلى الشريعة الإسلامية المنـزهة عن ذلك من حيث لا يشعرون. لأنه إذا قيل أن الشرك لا يضرّ الإنسان مادام يقول: "لا إله إلا الله" وقيل أن هذا هو حكم الله ورسوله. سيكون بين هذا القول وبين العموم الوارد في الآيات الآتية تعارض:
كقوله تعالى: ]إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغِفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَآءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً[ [النساء:116].
وقوله تعالى: ]إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ [المائدة:72].
وقوله تعالى: ]لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ [الزمر:65].
فيظهر من الآيات أن ذلك عامٌ يتناول جميع المشركين. فمن أشرك بالله فقد ضلّ الضلال البعيد وحرّمت عليه الجنة وحبط عمله سواءً كان وثنياً أو يهودياً أو نصرانياً أو مدّعياً للإسلام.وهم يقولون من قال "لا إله إلا الله" دخل الجنة. فتعارض العمومان ولم يهتدوا إلى الجمع والتوفيق بينهما.
فإن ثبت عندهم مزاولة شخص ما، أو طائفة صورة من صور الشرك، سيكون موقفهم متردّداً. مرّة يقولون إن هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله، ومرّة يقولون إنهم مسلمون ماداموا يقولون "لا إله إلا الله".فينشئ هذا التردّد حيرة وشكاً في نفوس المبتدئين الذين يظنون بهم العلم والتّقوى.
قال الله تعالى: ]أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً[ [النساء:82].

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ ﺣﻘﻮﻕ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ

الحقيقية العاشرة
إن كلمة "لا إله إلا الله" لم توضع لتكون كلمة تُقال باللِّسان. وُإنما وضعت لتتحقَّق العبودية الكاملة لله بعد قولها. فمن قالها وجب عليه العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. ووجب عليه أن يكون مؤمناً بالله بقلبه ولسانه وجوارحه. ومن ثم فإن فعل الواجبات كلها وترك المحرّمات كلّها تُعتبر من حق "لا إله إلا الله" الذي لا يجوز تضييعه.
فمن اتّخذ طريقاً يفضي إلى تضييع حقّ من حقوقها الواجبة، فإن الإسلام لا يقرّ ذلك عليه، بل يأمر بقتله وإن قال بلسانه"لا إله إلا الله". لأنه لم يأت بالقول المأمور به الذي هو القول المقترن بالعمل.
فعندما عزم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على قتال مانعي الزكاة وقيل له: كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله" فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها}؟. قال أبو بكر: فإن الزكاة من حقِّها، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقاتلتهم على منعه !!.
ثم اجتمعوا واتّفقوا على رأي أبي بكر. فأصبح أمراً مجمعاً عليه أن الزكاة من حق "لا إله إلا الله"، وأنه لا ينفع التلفظ أحداً يمتنع عن أدائها. فإذا كان ذلك كذلك فما بالك بالتوحيد الذي هو أخطر شأناً من دفع الزكاة؟ وهل يعقل أن يتّفق الصحابة على قتل مانع الزكاة مع قوله "لا إله إلاّ الله" ويخلّوا سبيل المشرك العابد لغير الله لأجل تلفظه بكلمة التوحيد التي نقضها بشركه وكفره البواح ؟
وقد جاء الحديث مقيداً بالبراءة من الشرك بلفظ: {من قال "لا إله إلا الله" وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عزّ وجلّ}. [مسلم].
وهذا نصٌّ قاطعٌ ورد في محل النِّزاع وبيان لمراد النبي صلّى الله عليه وسلّم في الأحاديث المطلقة الخالية من هذا القيد، فلا يجوز التمسك بالنص المفيد للعموم مع ورود التقييد والتخصيص في نص آخر صحيح.
ومما يدلُّ على أن التلفظ لا ينفع أحداً مع تضيـيع حقوق الكلمة،قوله تعالى: ]وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[ [الأنعام:121].
فقد خُوطب المسلمون بهذه الآية لما خاصمهم المشركون فقالوا: ما ذبح الله فلا تأكلوه وما ذبحتم أنتم أكلتموه.
قال القرطبي في قوله: ]وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ[ أي في تحليل الميتة ]إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[ فدلت الآية على أن من استحلّ شيئاً مما حرّم الله تعالى صار به مشركاً. وقد حرّم الله سبحانه الميتة نصاً، فإذا قَبِلَ تحليلها من غيره فقد أشرك.
قال ابن كثير: ]وَإِنْ أَطَعْتُمُوْهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُوْنَ[ أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره، فهذا هو الشرك.
كقوله تعالى: ]اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّنْ دُونِ اللهِ[ [التوبة:31]
وقد روي الترمذي في تفسيرها عن عديّ بن حاتم أنه قال: يا رسول الله ما عبدوهم. فقال: بلى، إنهم أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال فاتّبعوهم فذلك عبادتهم إياهم.
فإذا كان من شهد أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسو ل الله" وأطاع الله في فعل الواجبات وترك المحرّمات يصبح مشركاً باستحلاله لأكل الميتة فقط، فكيف بمن يستحلّ مخالفة الشريعة كلّها ويتّبع الشرائع التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأيهما الأجدر بأن ينفعه التلفظ بكلمة التوحيد، إذا كان التلفظ نافعاً مع الشرك وتضييع حقوق الكلمة الكثيرة ؟.
إن قول الله تعالى للمسلمين الذين شهدوا أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" بعلمٍ وإخلاصٍ ويقينٍ ]وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[ [الأنعام:121].
إن هذا القول وحده دليلٌ كاف لنقض الشبهة الضالّة والفكرة المنحرفة للمرجئة المعاصرة التي فاقت الأولين في تسويغ النفاق وتمييع الحدود.
ومما يدلّ كذلك على أن التلفظ مع التضييع للحقوق لا وزن له في ميزان الإسلام، قضية الولاء وحكم الإسلام على من والى المشركين. لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أعلم الأجيال بمعنى "لا إله إلا الله" ومدلولها. ولذا لم يكن فيهم من يقول "لا إله إلا الله" ثم يعبد غير الله بعد ذلك في الاعتقاد والدعاء أو في الاتّباع والتشريع.
وقد عُرف من سيرتهم بُغضهم الشديد للشرك وأهله. وعدم موالاتهم لهم. وقد جرّ ذلك عليهم التعرض للضيق والتعذيب الشديد في مكة حتى هاجروا إلى الحبشة مرتين. ولما هاجروا أخيراً إلى المدينة وتكوّنت لهم هناك دولة. قاتلهم المشركون وتحزّبوا ضدّهم، وحاولوا استئصالهم في غزوة الأحزاب.
كل ذلك جرى لعلم الفريقين بأنه لا مجال للتفاهم والتعايش بين حزب التوحيد وحزب الشرك. كما أنه لا مجال للالتقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك. وهذا الجيل الذي بلغ الذروة في العلم والعمل، قد خاطبه القرآن قائلا:
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاْءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى اْلإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ [التوبة:23].
وقال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ[ [المائدة:51].
وقال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَّ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِيناً[ [النساء:144].
وقال تعالى: ]لاْ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَاْدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيـرَتَهُمْ[[المجادلة:22].
بهذا الحسم والوضوح فصّل القرآن قضية الولاء. وجعل الولاء لغير الله ورسوله والمؤمنين كفراً وخروجاً عن الإسلام. ولم يجعل كذلك قول "لا إله إلا الله" مع المعرفة والتطبيق شرطا مانعا من تكفير الموالين للمشركين، وإخراجهم عن دائرة الإسلام.
فإذا كان من قال "لا إله إلا الله" وكفر بما يُعبد من دون الله والتزم أحكام الإسلام ولم تقع منه مخالفة شرعية غير مودَّة المشركين وموالاتهم يكون خارجاً عن الملَّة بهذه المخالفة الشرعية الوحيدة. فكيف يكون حكم غيره الذي يقول "لا إله إلا الله" في الشرك والكفر واستحلال المحرّمات؟
وإذا كان قول "لا إله إلا الله" ينفع، وإن كان القائل يقولها في الشرك والكفر واستحلال المحرّمات، فلماذا لم ينفع الصحابة البريئين من الشرك الذين كان أحدهم يكفر ويعدّ من المشركين لمجرد المودّة والموالاة الظاهرة لأهل الإشراك؟ ولماذا قيل لهم ]وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ[.؟ [المائدة:51]
قد بيّنا فيما تقدَّم أن من امتنع عن دفع الزكاة، ومن اتّبع غير الله في التحليل والتحريم، ومن والى المشركين لا يكونون من أهل "لا إله إلا الله" لتضييعهم لحقوقها. وهذه الأمور الثلاثة سردناها كأمثلة. وإلا فإن التكاليف الشرعية كلّها من فعل الواجبات وترك المحرّمات على هذا المستوى.
فإذا لم يأت العبد بما وجب عليه مستحلاً لذلك مستحسناً له صار كافراً خارجاً عن الملّة وإن قال بلسانه "لا إله إلا الله". وإن لم يأت به من غير استحلال واستحسان فإنه يكون آثماً متعرّضاً لغضب الله وعقابه ومن أهل الكبائر الذين لا تُقبل شهادتهم في الدنيا.
هذا الفهم الصحيح لكلمة الشهادة وحقوقها هو الذي جعل جيل الصحابة أفضل الأجيال على الإطلاق في العلم والعمل. وجعلهم مع علمهم وعملهم الكثير خائفين على أنفسهم من النفاق، وكذلك كان التابعون وتابعوهم.
ولما طرأت فكرة المرجئة على المجتمع الإسلامي نفر منها العلماء نفوراً شديداً ورأوا أنها من أخطر البدع على الإسلام.
قال عبد الله ابن أبى مليكة وهو يردُّ عليهم:"لقد أدركتُ ثلاثين من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم كلُّهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحدٌ يقول إيمانه كإيمان جبريل". [البخاري].
وروى البغوي أنَّ يعقوب بن عطاء سأل أباه عطاء بن أبى رباح فقال: "يا أبتاه أن أصحاباً لي يزعمون أن إيمانهم كإيمان جبريل؟ فقال يا بنيّ ليس إيمان من أطاع الله كإيمان من عصى الله". اﻫـ [الفتاوى: م7/ص207].
وقال الإمام الشافعي: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون (الإيمان قولٌ وعملٌ ونيةٌ) لا يجزئ واحدٌ من الثلاثة إلا بالآخر". [الأم].
وقال حنبل حدثنا الحميدي قال: وأخبرت أن ناساً يقولون: "من أقرّ بالصلاة والزكاة والصوم والحجّ ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، ويصلِّي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان مقرّاً بالفرائض واستقبال القبلة". فقلت: "هذا الكفر الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين".
قال الله تعالى: ]وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ [البينة:5].
وقال حنبل: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول:"من قال هذا فقد كفر بالله وردّ على أمره وعلى الرسول ما جاء به عن الله" إ ﻫـ. [مجموع الفتاوى: م7 /ص 209].

ﺛﺎﻟﺜﺎ) ﻋﺪﻡ ﺍﻻﻧﺘﻬﺎﺝ ﺑﻤﻨﻬﺞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ

ثالثا: لم ينتهج أصحاب هذا الفهم المنحرف المنهج الإسلامي الحركي الصحيح، لمواجهة الحياة الجاهلية، والمجتمعات المشركة. الذي هو القيام بالدعوة إلى الدخول في دين الله من جديد، وتكوين الأمة المسلمة في وسط الجاهلية. لأنهم يعيشون -كما يملي عليهم خيالهم- في مجتمع الإسلامي لا يحتاج أفراده إلاّ إلى التعليم والتذكير لرفع مستواهم الثقافي الإسلامي.
بينما هم في الحقيقة يعيشون في مجتمع جاهليّ يعادى الإسلام ويقصيه من الحياة الاجتماعية والسياسية. ولا يرضي به ديناً ولا بالله رباً وحاكماً. ويسمّى الكفر والارتداد تقدُّماً وتحضراً. والإيمان والاستقامة جمودا‌ً ورجعيةً. ]وَمَنْ لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَماْ لَهُ مِنْ نُّورٍ[ [النور:40].

ﺛﺎﻧﻴﺎ) ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ

ثانياً: حكم أصحاب هذا الفهم المنحرف على أناس مقيمين على كفرهم وشركهم بالإسلام بحجة أنهم يقولون "لا إله إلا الله". فوقعوا في سلسلةٍ من المفاسد الدِّينية والمخالفات الشرعية مثل:
1- موالاة الكفّار الذين قال الله عنهم:
]وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاْءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أولياء[ [النساء:82].
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى اْلإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [التوبة:23].
2- مناكحة المشركين التي حرّمها الله:
في قوله تعالى: ]وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ[ [البقرة:221].
3- توريث الكفار المنهيّ عنه:
لقوله صلّى الله عليه وسلّم: {لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ} [متفق عليه].
4- أكل ذبائح المشركين التي هي في حكم الميتة المحرَّمة.
]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ[ [المائدة:3].
]وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيهِ[ [الأنعام:121].
وتسمية المشرك باطلةٌ كسائر أعماله.]لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ[ [الزمر:65].
5- الصلاة خلفهم.
ولا تجوز، لأنّ الصلاة من الدِّين. وقد أمر الله أن يقال للمشركين ]لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ[ [الكافرون:6].
وقال الله تعالى: ]وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[ [البينة:5]
فسمّي الصلاة في هذا الآية ديناً.
6- الصلاة عليهم المحرّمة شرعاً.
لقوله الله تعالى: ]مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمَ[ [التوبة:113].
]وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ[ [التوبة:84].
ووقعوا في غير ذلك من المخالفات.

ﺧﺎﻣﺴﺎ) ﺗﻨﻔﻴﺬ ﻣﺨﻄﻄﺎﺕ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﺍﻹﺳﻼﻡ

خامساً: إن أصحاب هذه الفكرة المنحرفة ينفذون بسذاجةٍ بلهاءَ مخططات أعداء الإسلام، الحريصين على محوه من الوجود -إن استطاعوا- لأن من مخططاتهم إقصاء الإسلام عن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والقضائية، مع إيهام الناس بأنه لا يزال بخير مادام المؤذِّنون يؤذِّنون بـ"لا إله إلا الله" على المآذن والمنابر. وتكتظ المساجد بالمصلِّين، ويحجّ إلى البيت الحرام .إنهم أعداءٌ واعون مدرِّبون يعرفون هذا الدِّين كما يعرفون أبناءهم ويدرسونه دراسةً جادةً ليعرفوا كيف يقاومونه ويتغلَّبون عليه.
ومن ثم لا يزعجهم انتساب الناس إلى الإسلام وإقامتهم لبعض شعائره، ماداموا يحيون حياة جاهلية ويتّبعون نظماً وشرائع من وضعهم. ومن وحي فكرهم الشارد عن الله.
ولكن يزعجهم أن يرَوا الإسلام حكماً يتحاكم إليه، ويصدر برأيه ويخرج الأمة التي تحمل راية الجهاد في سبيل الله لإقامة مملكة الله في أرضه الواسعة، على أنقاض ممالك البشر التي تُعبّد الناس لغير ربهم الجليل، ولخوفهم المستمرّ، وقلقهم الدائم من عودة الحياة الإسلامية إلى الوجود، تنبعث منهم صيحات الخطر بين الحين والحين، ويصرخ مفكِّروهم بضرورة اليقظة الدائمة، ومقاومة الإسلام بشتى الوسائل. والحيلولة بينه وبين الانطلاق مرّة أخرى.
يقول "غلادستون" رئيس وزراء بريطانيا سابقاً: "مادام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا تكون هي نفسها في أمان" . [الإسلام على مفترق الطرق] -لمحمد أسد-.
ولما وقعت تركيا في قبضة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى أبت بريطانيا الانسحاب من أرض تركيا إلا بعد تنفيذ الشروط التالية :-
(1) إلغاء الخلافة الإسلامية وطرد الخليفة من تركيا ومصادرة أمواله.
(2) أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركةٍ يقوم بها أنصار الخلافة.
(3) أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام.
(4) أن تختار لها دستوراً مدنياً بدلاً من دستورها المستمد من أحكام الإسلام.
وبعد انسحاب بريطانيا قال وزير خارجيتها أمام مجلس النواب البريطاني: "لقد قضينا على تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم. لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين -الإسلام والخلافة-" فصفق النواب الإنجليز كلُّهم وسكتت المعارضة. [قادة الغرب يقولون].
وقال "صموئيل زويمر" رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمبشرين، المنعقد عام (1935م):"وإن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية، ليست في إدخال المسلمين في المسيحية. فإن في هذا هدايةً لهم وتكريماً. إن مهمّتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقاً لا صله له بالله.
وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها. ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له ألا وهو إخراج المسلم من الإسلام.
إنكم أعددتم نشأً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها. أخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية. وبالتالي جاء النشئ الإسلامي مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتمّ بعظائم الأمور، ويحبُّ الراحة والكسل ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة. فهو إن تعلَّم فللحصول على الشهوات.وإذا جمع المال فللشهوات. وإذا تبوّأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات. أنه يجود بكل شئ للوصول إلى الشهوات. أيها المبشرون إن مهمّتكم تتمُّ على أكمل الوجوه". [طريق الدعوة]
ويقول "اللورد كرومر" أول معتمد بريطاني في مصر: "إن مهمّة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس هذه البلاد "مصر"، هو تثبيت دعائم الحضارة المسيحية إلى أقصى حدّ ممكن، بحيث تصبح هي أساس العلاقات بين الناس، وإن كان من الواجب منعاً لإثارة الشكوك، ألاّ يعمل على تنصير المسلمين. وأن يرعى من منصبه الرسمي المظاهر الزائفة للدِّين الإسلامي كالاحتفالات الدِّينية وما شابه ذلك. [واقعنا المعاصر] لمحمد قطب .
من هذه التصريحات وغيرها. يتبيَّن لك أن أعداء الإسلام يعرفون أنهم قد أخرجوا المسلم من إسلامه لقبوله السير في الطريق المعارض لطريق الإسلام.
ولاستسلامه لمبادئ الحضارة الغربية القائمة على الكفر، واتّباعه لمناهجها في الحكم والتشريع.يعرفون أنهم قد نجحوا في تخطيطهم الماكر الخبيث، لأنهم يعرفون هذا الدِّين كما يعرفون أبناءهم. بينما المغفلون الذين ينتمون إلى الإسلام يقولون عكس ما يقوله الأعداء، يقولون إن الإسلام بخير، وأن الاستسلام لمبادئ الحضارة الغربية لا يضرّ المسلمين، ماداموا يقولون بألسنتهم "لا إله إلا الله" لأن الإسلام هو النطق بكلمة الشهادة.
فساهموا بذلك في تضليل الناس، وتخدير مشاعرهم، كي تنجح المخططات التي تستهدف إقصاء الإسلام عن العمل في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والتشريعية.
فأصبحتْ الفكرة المنحرفة مساعدةً عظيمةً لأعداء الإسلام التقليديِّين. وعقبة كؤوداً في طريق المسلمين الحقيقيـين.
وقال الله تعالى: ]وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[ [الأنفال:30]
تمّ الكتاب بعون الله تعالى وقدرته.

ﺭﺍﺑﻌﺎ) ﺭﻣﻲ ﺍﻟﻤﻮﺣّﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺨﺮُﻭﺝ ﻭﺍﻻﺑﺘﺪﺍﻉ

رابعاً:ظنّ بعضهم أن الذين يعتقدون جاهلية العالم المسمّي بالعالم الإسلامي وارتداده عن الإسلام منذ أن رضي بإتباع شرائع الطواغيت، وتطبيقها في جميع شئون الحياة، "مبتدعون،" وخوارج. فشغلوا أنفسهم في الردّ عليهم، ووقعوا في أعراضهم. وكالوا لهم السباب واللّعان.فظلموا بذلك أنفسهم وباؤا بإثم مبين.
]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِيناً[ [الأحزاب:58].
لقد احتملوا ذلك فوق تضليلهم للناس وصدّهم عن سبيل الله السويّ الذي هو البراءة من الشرك وأهله ومفاصلتهم حتى يؤمنوا بالله وحده كما هي سنة الأنبياء والمرسلين.
]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ.... لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ[
[الكافرون:1-6]. ]وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ [الأنعام:14].
وليس لمن يريد أن يكون حنيفاً مسلماً في سلوك هذا المسلك اختيار، مهما شقّ ذلك على نفسه وصعب. فالجنة إنما حُفت بالمكاره ولا يدخلها أحدٌ إلا بمشقّة.
أما بدعة الخوارج(1) فالثابت أنها كانت البدعة الأولى التي ظهرت في المجتمع الإسلامي في عهد الصحابة. وكان أصل بدعتهم ظنُّهم بأن الإيمان جزءٌ واحد لا يتجزأ. فإذا ذهب بعضه ذهب كلُّه. فنشأ من ذلك القول بتكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار لكون الأعمال من الإيمان. فاستحلّوا دماء المسلمين وأموالهم. فقاتلهم أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه. وقتلهم في يوم النهروان(2). وقد ثبت الأمر بقتلهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. وفرق بين تكفير المشرك بشركٍ يعتقده ويعمل به، وبين تكفير المسلم بذنبٍ لا يستحلُّه. ولا مجال للالتباس بين هذين الأمرين على من له أدنى بصيرة.
ــــــــــــــ
(1) هي أول فرقة مبتدعة ظهرت في المجتمع الإسلامي، كان أول خروجهم إثر موقعة صفين فخرجوا وانحازوا إلى قرية "حروراء"، وظنُّوا أن عليّاً كفر لأنه رضي بالتحكيم وقالوا {لا حكم إلاّ لله} وقال عليٌّ: "كلمة حقٍّ أُريد بها باطلٌ".. قاتلهم أمير المؤمنين بعد ما سفكوا الدم الحرام وقتلوا "عبد الله بن خباب" فقضى عليهم في موقعة النهروان. وكانوا فيما بعد يخرجون على الأئمة ويرون أن مرتكب الكبيرة كافرٌ مخلّدٌ في النار. افترقوا فرقاً كثيرة من أشهرهم "الأزارقة" و "النجدات" و "الصفرية" و "الإباضية".
(2) موقع بالعراق دارت فيه المعركة بين جيش عليّ رضي الله عنه وجيش الخوارج بقيادة "عبد الله بن وهب" و "ابن الكواء" سنة (37ﻫـ) وكانوا أربعة آلاف ولم ينج منهم إلاّ قليلٌ.

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ الخاﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ ﺑﺒﻌﻀﻪ

الحقيقة الخامسة عشرة
إن من الكفر أن تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعضه كما فعلت اليهود.
قال الله تعالى: ]أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[ [البقرة:85].
ï فمثلاً:قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {ما من عبد قال "لا إله إلا الله" ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة} [مسلم].
وقال الله تبارك وتعالى: ]وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً[ [الفرقان:11].
وقال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوْءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي اْلآخِرَةِ هُمُ اْلأَخْسَرُونَ[ [النمل:4-5]
فإن تمسكت بالحديث وتركت الآيات وقلت: "من مات وهو يقول "لا إله إلا الله" دخل الجنة ولو كان مكذِّباً بالسّاعة والبعث". إذاً اتّخذت هذا طريقاً تكون قد آمنت ببعض الكتاب وكفرت ببعضه كما فعلت اليهود. فتكون من الكافرين الذين لهم خزيٌ في الدنيا، ويردُّون يوم القيامة إلى أشدّ العذاب.
فلكي لا يصيبك ذلك يجب عليك أن تؤمن بالحقيقتين معاً، وأن تقول:"من مات وهو يقول "لا إله إلا الله" دخل الجنة إذا كان من المؤمنين بالساعة والبعث.
à وكذلك قال الله تعالى: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ. الَّذِينَ كَذَّبُوا بِاْلكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . إِذِ اْلأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ[ [غافر:104].
قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بآيَاْتِ اللهِ لاْ يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ [النحل:104].
فإن تمسكت بالحديث وتركت الآيات وقلت: "من مات وهو يقول "لا إله إلا الله" دخل الجنة ولو كان مكذِّباً بالقرآن أو ببعض القرآن"، إذاً اتّخذت هذا طريقاً تكون قد آمنت ببعض الكتاب وكفرت ببعضه،كما فعلت اليهود. فتكون من الكافرين الذين لهم خزيٌ في الدنيا، ويردُّون يوم القيامة إلى أشدّ العذاب.
فلكي لا يصيبك ذلك يجب عليك أن تؤمن بالحقيقتين معاً، وأن تقول: من مات وهو يقول "لا إله إلا الله" دخل الجنة إن كان من المؤمنين بالقرآن كلِّه.
à قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً.أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِيناً[[النساء:150-151].
فإن تمسكت بالحديث وتركت الآيات وقلت: "من مات وهو يقول: "لا إله إلا الله" دخل الجنة ولو كان مكذِّباً برسل الله أو برسول من رسل الله". إذاً اتّخذت هذا طريقاً،تكون قد آمنت ببعض الكتاب وكفرتَ ببعضه كما فعلت اليهود. فتكون من الكافرين الذين لهم خزيٌ في الدنيا ويردُّون يوم القيامة إلى أشدّ العذاب.
فلكي لا يصيبك ذلك يجب عليك أن تؤمن بالحقيقتين معاً، وأن تقول:"من مات وهو يقول: "لا إله إلا الله" دخل الجنة إذا كان من المؤمنين برسل الله الذين لم يفرقوا بين أحدٍ منهم".
à قال الله تعالى: ]إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ [المائدة:72].
فإن تمسكت بالحديث وتركت هذه الآية وقلت: "من مات وهو يقول: "لا إله إلا الله" دخل الجنة ولو كان يشرك بالله ويعبد معه غيره" إذاً اتخذت هذا طريقاً تكون قد آمنت ببعض الكتاب وكفرتَ ببعضه كما فعلت اليهود. فتكون من الكافرين الذين لهم خزيٌ في الدنيا ويردُّون يوم القيامة إلى أشدّ العذاب.
فلكي لا يصيبك ذلك يجب عليك أن تؤمن بالحقيقتين معاً. وأن تقول:"من مات وهو يقول:"لا إله إلا الله" دخل الجنة إذا كان من الموحّدين الذين لا يشركون بالله شيئاً".
à وقال الله تعالى: ]قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ اْلغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي اْلأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِّنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَالاَ تَعْلَمُونَ. قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ اْلكَذِبَ لاْ يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ اْلعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ[[يونس:68-70].
فإن تمسكت بهذا الحديث وتركت هذه الآيات وقلت: "من مات وهو يقول: "لا إله إلا الله" دخل الجنة ولو كان يفتري على الله الكذب، ويجعل له بنين وبنات بغير علم". إذاً اتّخذت هذا طريقاً، تكون قد آمنت ببعض الكتاب وكفرت ببعضه كما فعلت اليهود. فتكون من الكافرين الذين لهم خزيٌ في الدنيا ويردُّون يوم القيامة إلى أشدّ العذاب.
فلكي لا يصيبك ذلك يجب عليك أن تؤمن بالحقيقتين معاً، وأن تقول:"من مات وهو يقول: "لا إله إلا الله" دخل الجنة إذا كان من الذين ينـزّهون الله تعالى عن البنين والبنات".
à قال الله تعالى: ]وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ اْلكَافِرِينَ[ [البقرة:34].
وقال الله تعالى: ]قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً[ [الإسراء:63].
وقال الله تعالى: ]لمنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ[ [الأعراف:18].
فإن تمسكت بالحديث وتركتَ الآيات وقلت: "من مات وهو يقول: "لا إله إلا الله" دخل الجنة ولو كان مستكبراً عن الانقياد لأوامر الله ويفعل فعل إبليس". إذاً اتّخذت هذا طريقاً تكون قد آمنت ببعض الكتاب وكفرتَ ببعضه كما فعلت اليهود. فتكون من الكافرين الذين لهم خزيٌ في الدنيا ويردُّون يوم القيامة إلى أشدّ العذاب.
فلكي لا يصيبك ذلك يجب عليك أن تؤمن بالحقيقتين معاً، وأن تقول: من مات وهو يقول: "لا إله إلا الله" دخل الجنة إذا لم يكن من المستكبرين، أتباع إبليس، الذين لا ينقادون لأوامر الله عزّ وجلّ.
وهكذا جميع العقائد والأعمال التي تخرج المسلم عن الإسلام وتدخله في الكفر، من مات عليها يدخل النار، ولا يكون من الذين يدخلون الجنة بفضل "لا إله إلا الله". أما من مات على المعاصي التي هي دون الكفر والشرك بالله فإن صاحبه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه بها وإن شاء غفر له ذلك وأدخله الجنة بكرمه ولطفه.
فتنبَّه لذاك ولا تستمع لوساوس الشيطان الناطق بلسان أوليائه من المشركين والمبتدعين.
]الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً[ [الكهف:104]


اخبر صديق

Kenana Soft For Web Devoloping